[ ص: 194 ] المسألة الثالثة  
اتفق العقلاء على أن  النهي عن الفعل يقتضي الانتهاء عنه دائما   [1] خلافا لبعض الشاذين .  
ودليل ذلك أنه لو قال السيد لعبده : " لا تفعل كذا " وقدرنا نهيه مجردا عن جميع القرائن فإن العبد لو فعل ذلك في أي وقت قدر يعد مخالفا لنهي سيده ومستحقا للذم في عرف العقلاء وأهل اللغة .  
ولو لم يكن النهي مقتضيا للتكرار والدوام لما كان كذلك .  
فإن قيل : لا خفاء بأن النهي قد يرد ويراد به الدوام كما في النهي عن الربا وشرب الخمر ونحوه ، وقد يرد ولا يراد به الدوام كما في نهي الحائض عن الصوم والصلاة ونحوه ، والصورتان مشتركتان في طلب ترك الفعل لا غير ، ومفترقتان في دوامه في إحدى الصورتين وعدم دوامه في الأخرى .  
والأصل أن يكون اللفظ حقيقة فيهما من غير اشتراك  [2] ولا تجوز ، والدال على القدر المشترك لا يكون دالا على ما اختص بكل واحد من الطرفين المختلفين ، وأيضا فإنه لو كان النهي مقتضيا للدوام لكان عدم الدوام في بعض صور النهي على خلاف الدليل وهو ممتنع .  
قلنا : النهي حيث ورد غير مراد به الدوام يجب أن يكون ذلك لقرينة نظرا إلى ما ذكرناه من الدليل .  
وما قيل إن ذلك يلزم منه الاشتراك أو التجوز ، قلنا : وإن لزم منه التجوز وهو على خلاف الدليل لافتقاره إلى القرينة الصارفة غير أن جعله حقيقة في المرة الواحدة مما يوجب جعله مجازا في الدوام والتكرار لاختلاف حقيقتهما .  
وليس القول بجعله مجازا في التكرار وحقيقة في المرة الواحدة أولى من العكس ، بل جعله حقيقة في التكرار أولى لإمكان التجوز به عن البعض لكونه مستلزما له .  
ولو جعلناه حقيقة في البعض لما أمكن التجوز به عن التكرار لعدم استلزامه له ، وبه يندفع ما ذكروه من الوجه الثاني أيضا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					