الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 97 ] المسألة الثالثة

          إذا قال الصحابي : أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا ، وأوجب علينا كذا وحرم علينا كذا ، أو أبيح لنا كذا ، فمذهب الشافعي وأكثر الأئمة أنه يجب إضافة ذلك إلى النبي عليه السلام .

          وذهب جماعة من الأصوليين والكرخي من أصحاب أبي حنيفة إلى المنع من ذلك ، مصيرا منهم إلى أن ذلك متردد بين كونه مضافا إلى النبي عليه السلام ، وبين كونه مضافا إلى أمر الكتاب أو الأمة ، أو بعض الأئمة ، وبين أن يكون قد قال ذلك عن الاستنباط والقياس ، وأضافه إلى صاحب الشرع بناء على أن موجب القياس مأمور باتباعه من الشارع .

          وإذا احتمل واحتمل ، لا يكون مضافا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ولا يكون حجة .

          والظاهر مذهب الشافعي ، وذلك لأن من كان مقدما على جماعة وهم بصدد امتثال أوامره ونواهيه ، فإذا قال الواحد منهم : أمرنا بكذا ، ونهينا عن كذا ، فالظاهر أنه يريد أمر ذلك المقدم ونهيه ، والصحابة بالنسبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا النحو .

          فإذا قال الصحابي منهم : أمرنا أو نهينا كان الظاهر منه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهيه ، ولا يمكن حمله على أمر الكتاب ونهيه ; لأنه لو كان كذلك لكان ظاهرا للكل ، فلا يختص بمعرفته الواحد منهم ، ولا على أمر الأمة ونهيها ; لأن قول الصحابي أمرنا ونهينا قول الأمة ، وهم لا يأمرون وينهون أنفسهم ، ولا على أمر الواحد من الصحابة ، إذ ليس أمر البعض للبعض أولى من العكس .

          كيف وإن الظاهر من الصحابي أنه إنما يقصد بذلك تعريف الشرع ، وذلك لا يكون ثابتا بأمر الواحد من الصحابة ونهيه ، ولا أن يكون ذلك بناء على ما قيل من القياس والاستنباط لوجهين :

          الأول : أن قول الصحابي أمرنا ونهينا خطاب مع الجماعة ، وما ظهر لبعض المجتهدين من القياس وإن كان مأمورا باتباع حكمه ، فذلك غير موجب للأمر باتباع من لم يظهر له ذلك القياس .

          الثاني : أن قوله أمرنا ونهينا بكذا عن كذا إنما يفهم منه مطلق الأمر والنهي ، لا الأمر باتباع حكم القياس .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية