الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          وأما المسائل فمسألتان :

          المسألة الأولى

          اتفق القائلون بالعموم على جواز تخصيصه على أي حال كان من الإخبار والأمر وغيره خلافا لشذوذ لا يؤبه لهم في تخصيصه الخبر .

          ويدل على جواز ذلك الشرع والمعقول .

          أما الشرع ، فوقوع ذلك في كتاب الله - تعالى - كقوله - تعالى - : ( الله خالق كل شيء ) ، و ( وهو على كل شيء قدير ) ، وليس خالقا لذاته ولا قادرا عليها وهي شيء .

          وقوله ، تعالى : ( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) ، وقد أتت على الأرض والجبال ولم تجعلها رميما .

          وقوله - تعالى - : ( تدمر كل شيء ) ، ( أوتيت من كل شيء ) إلى غير ذلك من الآيات الخبرية المخصصة حتى إنه قد قيل : لم يرد عام إلا وهو مخصص إلا في قوله ، تعالى : ( وهو بكل شيء عليم ) ، ولو لم يكن ذلك جائزا لما وقع في الكتاب .

          [ ص: 283 ] وأما المعقول فهو أنه لا معنى لتخصص العموم سوى صرف اللفظ عن جهة العموم الذي هو حقيقة فيه إلى جهة الخصوص بطريق المجاز كما سبق تقريره ، والتجوز غير ممتنع في ذاته .

          ولهذا لو قدرنا وقوعه لم يلزم المحال عنه لذاته ، ولا بالنظر إلى وضع اللغة .

          ولهذا يصح من اللغوي أن يقول : جاءني كل أهل البلد ، وإن تخلف عنه بعضهم ، ولا بالنظر إلى الداعي إلى ذلك ، والأصل عدم كل مانع سوى ذلك ، ويدل على جواز تخصيص الأوامر العامة ، وإن لم نعرف فيها خلافا قوله - تعالى - : ( اقتلوا المشركين ) مع خروج أهل الذمة عنه ، وقوله - تعالى - : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، و ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) مع أنه ليس كل سارق يقطع ، ولا كل زان يجلد ، وقوله - تعالى - : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) مع خروج الكافر والرقيق والقاتل عنه .

          فإن قيل : القول بجواز تخصيص الخبر مما يوجب الكذب في الخبر لما فيه من مخالفة المخبر للخبر ، وهو غير جائز على الشارع كما في نسخ الخبر .

          قلنا : لا نسلم لزوم الكذب ، ولا وهم الكذب ، بتقدير إرادة جهة المجاز ، وقيام الدليل على ذلك .

          وإلا كان القائل إذا قال : " رأيت أسدا " وأراد به الإنسان أن يكون كاذبا إذا تبينا أنه لم يرد الأسد الحقيقي ، وليس كذلك بالإجماع .

          وعلى هذا فلا نسلم امتناع نسخ الخبر كما سيأتي تقريره [1] .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية