الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الحادية عشرة

          [1] إذا أمر بفعل من الأفعال مطلقا غير مقيد في اللفظ بقيد خاص

          قال بعض أصحابنا : الأمر إنما تعلق بالماهية الكلية المشتركة ولا تعلق له بشيء من جزئياتها ، وذلك كالأمر بالبيع فإنه لا يكون أمرا بالبيع بالغبن الفاحش ولا بثمن المثل إذ هما متفقان في مسمى البيع ومختلفان بصفتهما .

          والأمر إنما تعلق بالقدر المشترك ، وهو غير مستلزم لما تخصص به كل واحد من الأمرين ، فلا يكون الأمر المتعلق بالأعم متعلقا بالأخص اللهم إلا أن تدل القرينة على إرادة أحد الأمرين .

          قال : ولذلك قلنا إن الوكيل في البيع المطلق لا يملك البيع بالغبن الفاحش ، وهو غير صحيح .

          وذلك لأن ما به الاشتراك بين الجزئيات معنى كلي لا تصور لوجوده في الأعيان وإلا كان موجودا في جزئياته .

          ويلزم من ذلك انحصار ما يصلح اشتراك كثيرين فيه فيما لا يصلح لذلك وهو محال .

          [ ص: 184 ] وعلى هذا فليس معنى اشتراك الجزئيات في المعنى الكلي سوى أن الحد المطابق للطبيعة الموصوفة بالكلية مطابق للطبيعة الجزئية ، بل إن تصور وجوده فليس في غير الأذهان .

          وإذا كان كذلك فالأمر طلب إيقاع الفعل على ما تقدم ، وطلب الشيء يستدعي كونه متصورا في نفس الطالب على ما تقدم تقريره .

          وإيقاع المعنى الكلي في الأعيان غير متصور في نفسه فلا يكون متصورا في نفس الطالب فلا يكون آمرا به ، ولأنه يلزم منه التكليف بما لا يطاق ، ومن أمر بالفعل مطلقا لا يقال إنه مكلف بما لا يطاق ، فإذا الأمر لا يكون بغير الجزئيات الواقعة في الأعيان لا بالمعنى الكلي ، وبطل ما ذكره .

          ثم وإن سلم أن الأمر متعلق بالمعنى الكلي المشترك وهو المسمى بالبيع ، فإذا أتى المأمور ببعض الجزئيات كالبيع بالغبن الفاحش فقد أتى بما هو مسمى البيع المأمور به الموكل فيه ، فوجب أن يصح نظرا إلى مقتضى صيغة الأمر المطلق بالبيع .

          وإن قيل بالبطلان فلا يكون ذلك لعدم دلالة الأمر به بل لدليل معارض .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية