[ ص: 242 ] المسألة السابعة  [1] 
اختلف العلماء في  اللفظ الواحد من متكلم واحد في وقت واحد إذا كان مشتركا  [2] بين معنيين   كالقرء للطهر والحيض أو حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر كالنكاح المطلق على العقد والوطء ، ولم تكن الفائدة فيهما واحدة ، هل يجوز أن يراد به كلا المعنيين معا أو لا ؟ فذهب   الشافعي  والقاضي أبو بكر  وجماعة من أصحابنا وجماعة من مشايخ  المعتزلة   كالجبائي   والقاضي عبد الجبار  وغيرهم إلى جوازه بشرط أن لا يمتنع الجمع بينهما ، وذلك كاستعمال صيغة ( افعل ) في الأمر بالشيء والتهديد عليه ، غير أن مذهب   الشافعي  أنه مهما تجرد ذلك اللفظ عن القرينة الصارفة له إلى أحد معنييه وجب حمله على المعنيين ، ولا كذلك عند من جوز ذلك من مشايخ  المعتزلة      .  
وذهب جماعة من أصحابنا وجماعة من  المعتزلة   كأبي هاشم  وأبي عبد الله البصري  وغيرهما إلى المنع من جواز ذلك مطلقا .  
وفصل  أبو الحسين البصري   والغزالي  فقالا : يجوز ذلك بالنظر إلى الإرادة دون اللغة .  
وعلى هذا النحو من الخلاف في اللفظ المفرد اختلفوا في جمعه كالأقراء التي هي جمع قرء هل يجوز حمله على الحيض والأطهار معا ؟ وسواء كان إثباتا كما لو قيل للمرأة : اعتدي بالأقراء ، أو نفيا كما لو قيل لها : لا تعتدي بالأقراء .  
وذلك لأن جمع الاسم يفيد جمع ما اقتضاه الاسم ، فإن كان الاسم متناولا لمعنييه كان الجمع كذلك ، وإن كان لا يفيد سوى أحد المعنيين فكذلك أيضا جمعه .  
والحجاج فيه متفرع على الحجاج في المفرد .  
وربما قال بالتعميم في طرف النفي كان فردا أو جمعا بعض من قال بنفيه في طرف الإثبات ، ولهذا قال  أبو الحسين البصري     : وفيه بعض الاشتباه إذ يجوز أن يقال : بنفي الاعتداد بالحيض والطهر معا .  
والحق أن النفي لما اقتضاه الإثبات ، فإن كان مقتضى الإثبات الجمع فكذلك النفي ، وإن كان مقتضاه أحد الأمرين فكذلك النفي .  
وإذ أتينا على بيان اختلاف المذاهب بالتفصيل فلنعد إلى طرف الحجاج .  
وقد احتج القائلون بجواز التعميم .  
 [ ص: 243 ] أما في إمكان إرادة الأمرين باللفظ الواحد فهو أنا لو قدرنا عدم التكلم بلفظ القرء لم يمنع الجمع بين إرادة الاعتداد بالحيض وإرادة الاعتداد بالطهر ، فوجود اللفظ لا يحيل ما كان جائزا ، وكذلك الكلام في إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز .  
وأما بالنظر عند الوقوع لغة ، فقوله تعالى : (  إن الله وملائكته يصلون على النبي      ) ، والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الدعاء والاستغفار وهما معنيان مختلفان ، وقد أريدا بلفظ واحد .  
وأيضا قوله تعالى : (  ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر      ) إلى آخر الآية ، وسجود الناس غير سجود غير الناس ، وقد أريدا بلفظ واحد .  
واحتجوا أيضا بأن   سيبويه  قال : قول القائل لغيره : الويل لك خبر ودعاء ، فقد جعله مع اتحاده مفيدا لكلا الأمرين .  
اعترض النافون ، أما على إرادة إنكار الجمع  [3] بين المسميين فهو أن المتكلم إذا استعمل الكلمة الواحدة في حقيقتها ومجازها معا كان مريدا لاستعمالها فيما وضعت له ، وهو محال .  
وأيضا فإن المستعمل للكلمة فيما هي مجاز فيه لا بد وأن يضمر فيها كاف التشبيه ، والمستعمل لها في حقيقتها لا بد وأن لا يضمر فيها ذلك ، والجمع بين الإضمار وعدمه في الكلمة الواحدة محال .  
هذا ما يخص الاسم المجازي وأما ما يخص الاسم المشترك فهو أن  اللفظ المشترك موضوع في اللغة لأحد أمرين مختلفين على سبيل البدل   ، ولا يلزم من ذلك أن يكون موضوعا لهما على الجمع ، إذ المغايرة بين المجموع وبين كل واحد من أفراده واقعة بالضرورة ، والمساواة بينهما في جميع الأحكام غير لازمة ، وعلى هذا فلا يلزم من كون كل واحد من المفردين مسمى باسم تسمية المجموع به وعند ذلك فالواضع إذا وضع لفظا لأحد مفهومين على سبيل البدل ، فإن لم يكن قد وضعه لمجموعهما فاستعماله في المجموع استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، وهو ممتنع .  
وإن كان قد وضعه له فإما أن يستعمل اللفظ لإفادة المجموع وحده ، أو لإفادته مع إفادة الإفراد .  
فإن كان الأول لم يكن اللفظ مفيدا لأحد مفهوماته ، لأن الواضع إن كان      [ ص: 244 ] قد وضعه بإزاء أمور ثلاثة على البدل ، واحدها ذلك المجموع فاستعمال اللفظ فيه وحده لا يكون استعمالا للفظ في جميع مفهوماته .  
وإن استعمله في إفادة المجموع والإفراد على الجمع فهو محال لأن إفادة الجموع معناها أن الاكتفاء لا يحصل إلا به ، وإفادته للمفرد معناها أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منها ، وهو جمع بين النقيضين ، وهو محال فلا يكون اللفظ المشترك من حيث هو مشترك في إفادة مفهوماته جملة .  
وأما على دليل الوقوع لغة ، أما النص الأول فقد قال   الغزالي  فيه : إن لفظ الصلاة المطلق على صلاة الله تعالى والملائكة إنما هو باعتبار اشتراكهما في معنى العناية بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إظهارا لشرفه وحرمته ، فهو لفظ متواطئ لا مشترك  [4] ، وكذلك لفظ السجود في الآية الأخرى ، فإن مسماه إنما هو القدر المشترك من معنى الخضوع لله تعالى ، والدخول تحت تسخيره وإرادته .  
وقال  أبو هاشم     : وإن سلم اختلاف المسمى وإرادتهما بلفظ واحد فلا يبعد أن يقال : إن ذلك من قبيل ما نقلته الشريعة من الأسماء اللغوية إلى غير معانيها في اللغة .  
فأما قول   سيبويه  فإنه وإن دل على أن العرب وضعت قوله : الويل لك للخبر والدعاء معا فليس فيه ما يدل على أن كل الألفاظ المشتركة ، أو الألفاظ التي هي حقيقة في شيء ومجاز في شيء موضوعة للجمع .  
كيف وأن قول   سيبويه  لا يدل على كون ذلك القول مستعملا في الخبر والدعاء معا ، بل جاز أن يكون موضوعا للخبر ، وهو مستعمل في الدعاء مجازا لا معا .  
أجاب المثبتون عن الاعتراض الأول على الإمكان بمنع أن المستعمل للفظة في حقيقتها ومجازها مريد لاستعمالها فيما وضعت له ، ومريد للعدول بها عما وضعت له ، بل هو مريد لما وضعت له حقيقة ولما لم توضع له حقيقة .  
وعن الثاني أن إضمار التشبيه وعدمه في الكلمة الواحدة إنما يمتنع بالنسبة إلى شيء واحد ، وأما بالنسبة إلى شيئين فلا ، كيف وأن ذلك لا يطرد في كل مجاز ؟  [5] 
 [ ص: 245 ] وعن الثالث أنه مبني على أن الاسم المشترك موضوع لأحد مسمياته على سبيل البدل حقيقة ، وليس كذلك عند   الشافعي  والقاضي أبي بكر  ، بل هو حقيقة في المجموع كسائر الألفاظ العامة ، ولهذا فإنه إذا تجرد عن القرينة عندهما وجب حمله على الجميع ، وإنما فارق باقي الألفاظ العامة من جهة تناوله لأشياء لا تشترك في معنى واحد يصلح أن يكون مدلولا للفظ ، بخلاف باقي العمومات فنسبة  [6] اللفظ المشترك في دلالته إلى جملة مدلولاتها ، وإلى أفرادها كنسبة غيره من الألفاظ العامة إلى مدلولاتها جملة وأفرادا .  
وعلى هذا فقد بطل كل ما قيل من التقسيم المبني على أن اللفظ المشترك موضوع لأحد مسمياته على طريق البدل حقيقة ، ضرورة كونه مبنيا عليه ، وإنما هو لازم على مشايخ  المعتزلة   المعتقدين كون اللفظ المشترك موضوعا لأحد مسمياته حقيقة على طريق البدل .  
فإن قيل : وإن كان  اللفظ المشترك حقيقة في الجمع   فلا خفاء بجواز استعماله في آحاد مدلولاته عند ظهور القرينة عند   الشافعي  والقاضي أبي بكر  ، وسواء كان ذلك حقيقة أو مجازا .  
وعند ذلك فاستعماله في المجموع وإن كان على وجه لا يدخل فيه الأفراد ، فإن كان اللفظ حقيقة في الإفراد فاللفظ يكون مشتركا ولم يدخل فيه جميع مسمياته ، وإن كان مجازا فلم تدخل فيه الحقيقة والمجاز معا ، وهو خلاف مذهبكم ، وإن كان على وجه يدخل فيه الإفراد فهو محال لأن إفادته للمجموع معناها أن الاكتفاء لا يحصل إلا به وإفادته للإفراد معناها أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منها ، وهو جمع بين النقيضين كما سبق .  
قلنا : استعماله في الأفراد متى يكون معناه الاكتفاء بها إذا كانت داخلة في المجموع أو إذا لم تكن داخلة فيه ؟ والأول ممنوع ، بل معنى استعماله فيها أنه لا بد منها .  
والثاني مسلم ، ولا يلزم منه التناقض على كلا التقديرين ، أما على تقدير العمل باللفظ في آحاد أفراده مع الاقتصار عند ظهور القرينة فلأن الجملة غير مشترطة في      [ ص: 246 ] الاكتفاء ، وأما عند كون الأفراد داخلة في مسمى الجملة فلأنها لا بد منها لا بمعنى أنه يكتفي بها .  
فإن قيل : وإذا كانت الأفراد داخلة في مسمى الجملة فليس للفظ عليها دلالة بجهة الحقيقة ولا بجهة التجوز ، بل بطريق الملازمة الذهنية ، وليست دلالة لفظية ليلزم ما قيل .  
قلنا : لا خفاء بدخول الأفراد في الجملة فتكون مفهومة من اللفظ الدال على الجملة ، فله عليها دلالة وهي إما أن تكون بجهة الحقيقة ، أو التجوز لما سبق .  
وعن الاعتراض الأول على النصوص أنه لو كان مسمى الصلاة هو القدر المشترك من الاعتناء ، ومسمى السجود القدر المشترك من الخضوع والانقياد لاطرد الاسم باطرادهما ، وليس كذلك ، فإنه لا يسمى كل اعتناء بأمر صلاة ، ولا كل خضوع وانقياد سجودا .  
وإن كان المسمى باسم الصلاة اعتناء خاصا ، وبالسجود خضوعا خاصا فلا بد من تصويره وبيان الاشتراك فيه .  
فإن قيل : يجب اعتقاده نفيا للتجوز والاشتراك عن اللفظ ، فهو مبني  [7] على أن التجوز والاشتراك على خلاف الأصل ، وإنما يكون كذلك أن لو تعذر الجمع ، وهو محل النزاع .  
وعن اعتراض  أبي هاشم  أنه مبني على تحقيق الأسماء الشرعية ونقلها من موضوعاتها في اللغة ، وهو باطل على ما سبق من مذهب  القاضي أبي بكر  [8]    .  
وعن الاعتراض على قول   سيبويه     : أما الأول فلأنه إنما يلزم أن لو كان الاستدلال بقول   سيبويه  على أن كل لفظ مشترك أو مجاز يجب أن يكون موضوعا لمجموع مسمياته ، وليس كذلك ، بل إنما قصد به بيان الوقوع لا غير .  
وأما الثاني فلأنه لا انفكاك في قوله : الويل لك عن الخبر والدعاء ، واللفظ واحد ، ولا معنى لاستعماله فيهما سوى فهمهما منه عند إطلاقه .  
				
						
						
