[ ص: 258 ] المسألة الخامسة عشرة  
العطف على العام هل يوجب العموم في المعطوف ؟ اختلفوا فيه ، فمنع أصحابنا من ذلك وأوجبه أصحاب  أبي حنيفة     - رحمه الله - .  
ومثاله استدلال أصحابنا على أن  المسلم لا يقتل بالذمي   بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "  لا يقتل مسلم بكافر     " ، وهو عام بالنسبة إلى كل كافر حربيا كان أو ذميا .  
فقال أصحاب  أبي حنيفة     : لو كان ذلك عاما للذمي لكان المعطوف عليه كذلك ، وهو قوله : "  ولا ذو عهد في عهده     " ضرورة الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته ، وليس كذلك ، فإن الكافر الذي لا يقتل به المعاهد إنما هو الكافر الحربي دون الذمي .  
احتج أصحابنا بثلاثة أمور : الأول : أن المعطوف لا يستقل بنفسه في إفادة حكمه ، واللفظ الدال على حكم المعطوف عليه لا دلالة له على حكم المعطوف بصريحه ، وإنما أضمر حكم المعطوف عليه في المعطوف ، ضرورة الإفادة وحذرا من التعطيل .  
والإضمار على خلاف الأصل ، فيجب الاقتصار فيه على ما تندفع به الضرورة ، وهو التشريك في أصل الحكم دون تفصيله من صفة العموم وغيره ، تقليلا لمخالفة الدليل .  
الثاني : أنه قد ورد عطف الخاص على العام في قوله تعالى : (  والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء      ) ، فإنه عام في الرجعية والبائن ، وقوله : (  وبعولتهن أحق بردهن      ) خاص .  
وورد عطف الواجب على المندوب في قوله تعالى : (  فكاتبوهم      ) ، فإنه للندب ، وقوله : (  وآتوهم من مال الله الذي آتاكم      ) للإيجاب ، وورد عطف الواجب على المباح في قوله تعالى : (  كلوا من ثمره إذا أثمر      ) ، فإنه للإباحة ، وقوله : (  وآتوا حقه      ) للإيجاب .  
ولو كان الأصل هو الاشتراك في أصل الحكم وتفصيله لكان العطف في جميع هذه المواضع على خلاف الأصل ، وهو ممتنع .  
الثالث : أن الاشتراك في أصل الحكم متيقن ، وفي صفته محتمل ، فجعل العطف أصلا في المتيقن دون المحتمل أولى .  
 [ ص: 259 ] فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بما يدل على وجوب التشريك بينهما في أصل الحكم ، وتفصيله وبيانه من وجهين :  
الأول : أن حرف العطف يوجب جعل المعطوف والمعطوف عليه في حكم جملة واحدة ، فالحكم على أحدهما يكون حكما على الآخر .  
الثاني : أن المعطوف إذا لم يكن مستقلا بنفسه فلا بد من إضمار حكم المعطوف عليه فيه لتحقق الإفادة .  
وعند ذلك لا يخلو إما أن يقال بإضمار كل ما ثبت للمعطوف عليه للمعطوف أو بعضه ، لا جائز أن يقال بالثاني لأن الإضمار إما لبعض معين أو غير معين .  
القول بالتعيين ممتنع إذ هو غير واقع من نفس العطف .  
كيف وإنه ليس البعض أولى من البعض الآخر ، والقول بعدم التعيين موجب للإبهام والإجمال في الكلام ، وهو خلاف الأصل فلم يبق سوى القسم الأول ، وهو المطلوب .  
قلنا : جواب الأول أن العطف يوجب جعل المعطوف والمعطوف عليه في حكم جملة واحدة فيما فيه العطف أو في غيره ، الأول مسلم والثاني ممنوع ، فلم قلتم : إن ما زاد على أصل الحكم معتبر في العطف إذ هو محل النزاع .  
وجواب الثاني أن نقول بالتشريك في أصل الحكم المذكور دون صفته ، وهو مدلول اللفظ من غير إبهام ولا إجمال .  
				
						
						
