604  - أنا أبو الحسن : علي بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البزاز  بالبصرة ،  نا أبو بكر : يزيد بن إسماعيل الخلال ،  نا عبد الله بن أيوب المخرمي ،  حدثني أبو عبد الله الأزدي ،  قال : حدثني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ،  بهذه الرسالة ، وقرأها علي : " أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وترك ما أحدث المحدثون في دينهم مما قد كفوا مؤونته ، وجرت فيهم سنته ، ثم اعلم أنه لم تكن بدعة قط ، إلا وقد مضى قبلها دليل عليها ، فعليك بتقوى الله ، ولزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ، وإنما جعلت السنة يستن بها ، ويعتمد عليها ،  وإنما سنها من علم ما في خلافها من الزلل والخلاف والتعمق ، فارض لنفسك ما رضوا لأنفسهم ، فإنهم بعلم وقفوا ، وببصر ما كفوا ، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى ، وبفضل لو كان فيها أحرى ، وإنهم  [ ص: 556 ] لهم السابقون ، فإن كان الهدى ما أحدثتم ، وما أنتم فيه لقد سبقتموهم ، ولئن قلتم حدث حدث بعدهم ، فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ، ورغب بنفسه عنهم ، ولقد وضعوا ما يكفي ، وتكلموا بما يشفي ، فما دونهم مقصر ، ولا فوقهم محسن ، وإنهم من ذلك ، لعلى هدى مستقيم ، فارجعوا إلى معالم الهدى ، وقولوا كما قالوا ، ولا تفرقوا بين ما جمعوا ولا تجمعوا بين ما فرقوا ، فإنهم جعلوا لكم أئمة وقادة ، هم حملوا إليكم كتاب الله وسنة نبيه ، فهم على ما حملوا إليكم من ذلك أمناء ، وعليكم فيه شهداء ، واحذروا الجدل ، فإنه يقربكم إلى كل موبقة ، ولا يسلمكم إلى ثقة " . 
فنظرنا في كتاب الله تعالى ، وإذا فيه ما يدل على الجدال والحجاج ، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن   ) ، فأمر الله رسوله في هذه الآية بالجدال ، وعلمه فيها جميع آدابه من الرفق والبيان والتزام الحق والرجوع إلى ما أوجبته الحجة ، وقال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن   ) ، وقال تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه   ) الآية ، وقال تعالى : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم   ) ، وكتاب الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف ، فتضمن الكتاب : ذم الجدال ، والأمر به ، فعلمنا علما يقينا أن الذي ذمه غير الذي أمر به ، وأن من الجدال ما هو محمود مأمور به ، ومنه مذموم منهي عنه ، فطلبنا البيان لكل واحد من الأمرين فوجدناه تعالى قد قال : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق   )  [ ص: 557 ] ، وقال : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا   ) ، فبين الله في هاتين الآيتين الجدال المذموم ،  وأعلمنا أنه : الجدال بغير حجة ، والجدال في الباطل . 
فالجدال المذموم وجهان : أحدهما : الجدال بغير علم . 
الثاني : الجدال بالشغب والتمويه ، نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه ، قال الله تعالى : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب   ) . 
وأما جدال المحقين ، فمن النصيحة في الدين ، ألا ترى إلى قوم نوح عليه السلام حيث قالوا : ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا   ) وجوابه لهم : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم   ) ، وعلى هذا جرت سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					