الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
208 - أنا أبو بكر البرقاني ، قال : قرأت على أبي العباس : محمد بن أحمد بن حمدان ، حدثكم محمد بن إبراهيم بن سعيد البوسنجي ، نا أبو يعقوب : يوسف بن عدي ، نا عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال سعيد : جاءه رجل ، فقال : يا ابن عباس ، إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي ، فقد وقع ذلك في [ ص: 206 ] صدري ؟ فقال ابن عباس : " أتكذيب ؟ " .

فقال الرجل : ما هو بتكذيب ولكن اختلاف .

قال : فهلم ما وقع في نفسك .

فقال الرجل : أسمع الله تعالى يقول : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ، وقال في آية أخرى : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) ، وقال في آية أخرى : ( ولا يكتمون الله حديثا ) ، وقال في آية أخرى : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ، فقد كتموا في هذه الآية ، وفي قوله : ( أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) ، فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض ، وقال في الآية الأخرى : ( أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) ، فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء ، وقوله تعالى : ( وكان الله غفورا رحيما ) ، ( وكان الله عزيزا حكيما ) ، ( وكان الله سميعا بصيرا ) فإنه كان ثم انقضى ؟

فقال ابن عباس : هات ما في نفسك من هذا .

فقال السائل : إذا أنبأتني بهذا فحسبي .

قال ابن عباس : قوله تعالى : ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ، [ ص: 207 ] فهذا في النفخة الأولى ، ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض ، إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم إذا كانت النفخة الأخرى ، قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .

وأما قول الله تعالى : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ، وقوله : ( ولا يكتمون الله حديثا ) ، فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم ، لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ، ولا يغفر شركا ، فلما رأى المشركون ذلك قالوا : إن ربنا يغفر الذنوب ، ولا يغفر الشرك ، تعالوا نقول : إنا كنا أهل ذنوب ، ولم نكن مشركين ، فقال الله تعالى : أما إذ كتموا الشرك ، فاختموا على أفواههم ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعند ذلك عرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا ، فذلك قوله تعالى : ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ) .

وأما قوله : ( أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) ، فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم نزل إلى الأرض فدحاها ، ودحيها : أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار ، وجعل فيها السبل ، وخلق الجبال والرمال والأكوام وما فيها ، في يومين آخرين فذلك قوله تعالى : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ، وقوله : ( أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) [ ص: 208 ] فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وجعلت السماوات في يومين .

وأما قوله تعالى : ( وكان الله غفورا رحيما ) ، ( وكان الله عزيزا حكيما ) ، ( وكان الله سميعا بصيرا ) فإن الله تعالى جعل نفسه ذلك ، وسمى نفسه ذلك ، ولم ينحله أحدا غيره ، وكان الله : أي لم يزل كذلك " .

ثم قال ابن عباس : " احفظ عني ما حدثتك ، واعلم أن ما اختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك ، فإن الله لم ينزل شيئا إلا قد أصاب به الذي أراد ، ولكن الناس لا يعلمون ، فلا يختلفن عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله عز وجل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية