الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ولو كان المشتري أعتق الجارية التي اشتراها بعقد فاسد بعد قبضه إياها أو باعها أو مهرها أو وهبها وسلمها أو دبرها أو كاتبها أو استولدها جاز جميع ذلك ; لأنه تصرف في ملكه وهذا التعليل نص عليه محمد في كتاب الشهادات في نظير هذا قال : لأنه مالك رقبتها وهنا قال ; لأن البائع سلطه عليها وهو إشارة إلى ما قلنا ; لأن التمليك تسليط على التصرف فصار كما لو سلطه على الإعتاق نصا بأن قال أعتقتها ألا ترى أنه ذكر في كتاب الاستحسان إذا اشترى طعاما حل له أن يتناول من ذلك الطعام ; لأن البائع سلطه على ذلك فلما كان العقد الجائز يعتبر التسليط في حق تناول الطعام فكذا في حق الفاسد ولهذا قلنا : إنه لا يحل له أن يطأها ; لأن الوطء مما لا يستباح بصريح التسليط فكذلك لا يستباح به دلالة ، ويعود التصرف باعتبار أصل الملك دون صفة الحل وقد ثبت أصل الملك فيثبت التسليط على التصرف ثم قد تعذر رد عينها فيلزمه رد قيمتها ، وإنما تعذر الرد باعتبار هذه التصرفات نحو البيع والهبة وما أشبه ذلك ; لأن المشتري شرى فاسدا لما باع من غيره وسلمه إليه تعلق بهذا العين حق المشتري الثاني وحق الله - تعالى - من حيث فسخ العقد بالرد على البائع الأول وحق الله - تعالى - مع حق العبد إذا اجتمعا تقدم حق العبد لا تهاونا بحق الله - تعالى - ولكن الله تعالى أغنى والعفو منه أرجى بخلاف المشتري من [ ص: 26 ] الغاصب ; لأنه تعلق به حق المشتري وحق المغصوب منه وكل واحد من الحقين حق العبد فترجح حق المغصوب منه ; لأنه أسبق .

قال : وليس عليه في الوطء مهر وفي كتاب السرب يقول وعليه العقر قبل تأويل المسألة إذا لم يستولدها بالوطء حتى ردها على البائع فإن بردها ينفسخ الملك من الأصل فتبين أن الوطء صادف ملك الغير فيلزمه العقر بالوطء وهنا قال استولدها وبالاستيلاد يتقرر ملكه فإنما وطئها وهي مملوكة له فلا يلزمه العقد بذلك وقيل : ما ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وما ذكر هناك قول محمد وأصله فيما ذكر هشام أنها لو زادت في يد المشتري في بدنها ثم أعتقها فعليه ضمان قيمتها وقت القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - وعند محمد وقت العتق فلما كان محمد ثبت حق البائع في الزيادة ويجعلها مضمونة على المشتري بالإتلاف فكذلك المستوفي بالزيادة في حكم زيادة هي ثمرة ومن أصلها أن الزيادة تكون في يد مضمونة على المشترى بالإتلاف فكذلك المستوفي بالوطء فلهذا لا مهر عليه قال : وإن رهنها فعليه قيمتها ; لأن عقد الرهن إذا اتصل به القبض يكون لازما في حق الراهن فيثبت به عجزه عن رد العين فلهذا لزمته قيمتها وإن افتكها قبل أن يضمنه القاضي قيمتها ردها عليه ; لأن المانع قد زال قبل تحول حق البائع إلى القيمة .

وكذلك إن عجزت عن الكتابة ; لأن المانع حق المكاتب ، وقد سقط قبل أن يتحول الحق إلى القيمة فإن التحول إنما يكون بقضاء القاضي فكذلك إن رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء ردها على البائع ; لأنه يعود إليه قديم ملكه في الوجهين فكذلك إن رد عليه بعيب قبل أن يقضي القاضي عليه بالقيمة فإن ذلك كله يمنع قضاء القاضي بالقيمة ، فإن كان ذلك كله بعد قضاء القاضي بالقيمة فقد تم تحول الحق إلى القيمة فلا يعود في العين بعد ذلك كما لو أبق المغصوب فقضى القاضي بقيمته على الغاصب ثم عاد قال : ولو كان أجرها فله أن ينقض الإجارة ويردها ; لأن الإجارة تنفسخ بالأعذار وقيام حق الشرع في الرد لفساد السبب منه أقوى الأعذار فتنفسخ الإجارة ، ألا ترى أن المشتري لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له أن ينقض الإجارة ليرده فهذا أولى

التالي السابق


الخدمات العلمية