الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وإذا اشترى شيئا ثم أرسل رسولا يقبضه فهو بالخيار إذا رآه ورؤية الرسول وقبضه لا يلزمه المتاع ; لأن المقصود علم العاقد بأوصاف المعقود عليه ليتم رضاه ، وذلك لا يحصل برؤية الرسول فأكثر ما فيه أن قبض رسوله كقبضه بنفسه ولو قبض بنفسه قبل الرؤية كان بالخيار إذا رآه فكذلك إذا أرسل رسولا فقبضه فأما إذا وكل وكيلا يقبضه فرآه الوكيل وقبضه لم يكن للموكل فيه خيار بعد ذلك في قول أبي حنيفة رضي الله عنه قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : له الخيار إذا رآه ; لأن القبض فعل والرسول والوكيل فيه سواء ، وكل واحد منهما مأمور بإحراز العين والحمل إليه والنقل إلى ضمانه بفعله ثم خياره لا يسقط برؤية الرسول ، فكذلك برؤية الوكيل وكيف يسقط خياره برؤيته وهو لو أسقط الخيار نصا لم يصح ذلك منه ; لأنه لم يوكله به فكذلك إذا قبض بعد الرؤية وقاسا بخيار الشرط والعيب فإنه لا يسقط بقبض الوكيل ورضاه به ، فكذلك خيار الرؤية ، وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول : التوكيل بمطلق القبض يثبت للوكيل ، ولأنه إتمام القبض كالتوكيل بمطلق العقد يثبت للوكيل ولأن إتمامه وتمام القبض لا يكون إلا بعد تمام الصفقة والصفقة لا تتم مع بقاء خيار الرؤية فيضمن التوكيل بالقبض إنابة الوكيل مناب نفسه في الرؤية المسقطة لخياره بخلاف الرسول فإن الرسول ليس إليه إلا تبليغ الرسالة ، فأما إتمام ما أرسل به ليس إليه كالرسول بالعقد ليس إليه من القبض والتسليم شيء .

والدليل على الفرق بين الوكالة والرسالة أن الله - تعالى - أثبت صفة الرسالة لنبيه صلى الله عليه وسلم وأبقى الوكالة لقوله تعالى { قل لست عليكم بوكيل } وهذا بخلاف خيار العيب [ ص: 74 ] فإن بقاءه لا يمنع تمام الصفقة والقبض ، ولهذا ملك بعد القبض رد المعيب خاصة يوضحه أن خيار العيب لثبوت حق المطالبة بتسليم الجزء الفائت ، وذلك للموكل ، والوكيل لا يملك إسقاطه ; لأنه فوض إليه الاستيفاء دون الإسقاط فأما خيار الشرط فقد منعه بعض أصحابنا - رحمهم الله - والأصح هو التسليم والفرق بينهما أنا نجعل في الموضعين فعل الوكيل كفعل الموكل ، والموكل لو قبض بنفسه بعد الرؤية سقط به خياره فكذلك قبض الوكيل ولم يسقط خيار الشرط بقبض الوكيل بحال ، وهذا لأن من شرط الخيار استثنى رضاه نصا فلا بد لسقوط خياره من إسقاطه أو إسقاط نائبه ، والوكيل ليس بنائب عنه في إسقاط حصة الذي استثناه لنفسه أو يقول سقوط خيار الرؤية من حقوق العقد لأن الرؤية تكون عند القبض عادة ، والوكيل بالشيء فيما هو من حقوقه كالمباشر لنفسه بمنزلة الوكيل بالعقد بخلاف خيار الشرط فإسقاطه لا يكون عند القبض والرؤية بالتأجيل فيه بعد مدة بعيدة ولأن الوكيل بقبض المبيع بمنزلة الوكيل بالعقد ; لأن القبض مشابه بالعقد من حيث إنه يستفاد به ملك التصرف ثم رؤية الوكيل بالعقد تجعل كرؤية الموكل فكذلك رؤية الوكيل بالقبض بخلاف خيار العيب فرضاء الوكيل بالعيب لا يكون ملزما الموكل .

ألا ترى أنه بعد الشراء لو وجد بالمبيع عيبا فرضي به الوكيل وأبى الموكل أن يرضى به فله أن لا يرضى بخلاف خيار الشرط فالوكيل بالعقد لا يملك إسقاط خيار الشرط الذي استثناه ، الآمر لنفسه نحو ما إذا أمره بأن يشترط له الخيار فكذلك الوكيل بالقبض لا يملك إسقاطه

التالي السابق


الخدمات العلمية