الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم العيوب التي يطعن المشتري بها أنواع أربعة نوع منها يكون ظاهرا في موضع يراه القاضي وغيره ولا تسمع الخصومة في ذلك ما لم يره العيب ; لأن قيام العيب عند الخصومة شرط لتوجه الخصومة وحقيقة معرفة ذلك بالمعرفة ممكن ، فإذا رآه القاضي فإن كان عيبا لا يحدث مثله في مثل تلك المدة وقد علم القاضي وجوده عند البائع فيقضي بالرد إلا أن يدعي البائع أن المشتري علم به عند العقد ورضي به فحينئذ يحلف المشتري على ذلك ثم يرده وإن كان شيئا مما يحدث مثله في مثل تلك المدة فالقول قول البائع أن العيب لم يكن عنده ; لأن الحوادث إنما يحال بحدوثها على أقرب الأوقات ومن ادعى تاريخا سابقا فعليه أن يثبته بالبينة فإن أقام المشتري البينة على أن العيب كان عند البائع قضي بالرد ، وإن لم يكن له بينة يحلف البائع ألبتة بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب وإنما يذكر التسليم لجواز أن يكون العيب حدث بعد العقد قبل التسليم إلا أنهم قالوا النظر للمشتري لجواز إذا استحلفه بهذه الصفة فإن العيب لو كان حادثا بعد العقد وقبل التسليم كان للمشتري حق الرد والبائع بار في يمينه بأن العيب لم يكن موجودا عند العقد فالأحوط أن يحلفه بالله لقد سلمه بحكم هذا العقد إليه ولم يكن به هذا العيب قال الشيخ الإمام عندي الأول أصح ; لأن البائع ينفي العيب عند البيع وعند التسليم ولا يكون بارا في يمينه إذا لم يكن العيب منتفيا في الحالين جميعا وإنما يستحلف على الثبات ; لأن استحلافه على فعل نفسه ، وهو التسليم كما لو التزمه بالعقد فإن نكل عن اليمين فنكوله كإقراره .

وإن حلف انقطعت المنازعة بينهما ونوع من ذلك عيب لا يعرفه إلا الأطباء فعلى القاضي أن يريه مسلمين عدلين من الأطباء ; لأن علم ذلك عندهم ، وإنما يرجع إلى معرفة كل شيء إلى من له بصر في ذلك الباب كما في معرفة القيمة والأصل فيه قوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ولا بد من العدد في ذلك ; لأنه قول ملزم كالشهادة ، فإذا قالا العيب موجود فيه وقالا هو مما لا يحدث في مثل هذه المدة حكم بالرد بقولهما ، وإن قالا قد يحدث ذلك حينئذ يحلف البائع كما بينا في الفصل الأول إلا أن يقيم المشتري البينة على إقرار البائع أن العيب كان عنده ونوع منه لا يعرفه إلا النساء بأن يكون في موضع لا يطلع عليه الرجال فالقاضي [ ص: 111 ] يريها النساء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال والمرأة الواحدة تكفي لذلك بعد أن تكون حرة مسلمة فإن كانتا اثنتين فهو أحوط وهذه المسألة معرفة في الطلاق والشهادات فإن أخبرت بوجود العيب توجهت الخصومة لظهور السبب في الحال بقولها ولكن لا يثبت الرد بقول النساء .

وإن كان ذلك مما لا يحدث في مثل تلك المدة ; لأن هذه الزيادة يمكن الوقوف عليها لا من جهة النساء فلا يعتبر قول النساء فيها ; ولأن شهادة النساء حجة ضعيفة لا يفصل الحكم بها ما لم تتأيد بمؤيد ، وذلك بنكول البائع فيستحلف حتى إذا انضم نكول البائع إلى شهادة النساء فسخ البيع وعن أبي يوسف أنه يقضي بالرد بقول النساء ; لأن شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه وقاس بالعينين إذا ثبتت البكارة بقول النساء بعد مضي السنة ، فإنه يفرق بينهما وقد بينا الفرق بين الفصلين في كتاب النكاح وعن محمد قال إن كانت الخصومة قبل القبض يفسخ العقد بقول النساء ، وإن كان بعد القبض لا يفسخ ; لأن الحاجة إلى نقل الضمان من المشتري إلى البائع وشهادة النساء في ذلك ليست بحجة تامة ونوع من ذلك ما هو حكمي كالإباق والسرقة والبول في الفراش فإن القاضي لا يسمع خصومة المشتري في ذلك ما لم تقم البينة على وجود العيب عنده ; لأن قيام العيب في الحال شرط لتوجه الخصومة ولا طريق لمعرفة ذلك إلا بالبينة فإن طلب المشتري يمين البائع على وجود ذلك العيب عنده فقد ذكر في الجامع أن على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يستحلف البائع بالله ما يعلم أنه أبق عند المشتري أو سرق أو بال في الفراش وقد بينا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع الكبير وإن يثبت وجود العيب عند المشتري فإن كان اشتراه وقبضه ، وهو صغير والخصومة بعد البلوغ لم تسمع الخصومة في ذلك ; لأن العيب الذي كان عند البائع قد زال ، وهذا عيب حادث عند المشتري قال وإن كانت الخصومة في الصغر أو كان الشراء بعد البلوغ فالآن تسمع خصومة المشتري ويحتاج إلى إقامة البينة على الذي كان أبق عنده بعدما بلغ قبل شرائه فإن لم يكن له بينة يستحلف البائع بالله لقد باعه وقبضه المشتري وما أبق ولا سرق ولا بال في الفراش منذ بلغ مبلغ الرجال .

وهذا استحلاف على الثبات ; لأنه على التسليم الذي التزمه واليمين الأولى على العلم ; لأنها على فعل الغير وفي ظاهر الرواية الجنون كذلك إلا أن في الجنون يستحلف بالله لقد باعه وسلمه ، ما جن قط لما بينا أن الجنون إذا وجد مرة في [ ص: 112 ] الصغر أو الكبر فهو عيب لازم أبدا وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله قالوا في الجنون لا يشترط عوده عند المشتري لتوجه الخصومة ; لأن أثر ذلك الذي كان قائم فيه على ما بينا فالجنون بعد انقلاعه يعقب أثرا يظهر ذلك في حماليق عينيه وذلك يكفي لتوجه الخصومة بخلاف الإباق والسرقة والبول في الفراش ، فإنه ليس لما قد كان أثر في العين فلا بد من عوده عند المشتري لتوجه الخصومة .

التالي السابق


الخدمات العلمية