الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا قبل جارية بشهوة ونظر إلى فرجها بشهوة فهو رضا ) ; لأن هذا الفعل لا يحل إلا في الملك فإقدامه عليه دليل الرضى فتقرر ملكه فيها بمنزلة الغشيان ، قال : ( وإن كانت الجارية هي التي نظرت إلى فرجه أو قبلته أو مسته بشهوة فأقر المشتري أنها فعلت ذلك بشهوة لزمته الجارية أيضا وحرمت عليه أمها وابنتها ) ، وكذلك هذا في الرجعة وهذا قول أبي يوسف وقاسه على قول أبي حنيفة رحمهما الله يعني في الرجعة ، وأما في قول محمد فلا يكون ما صنعت الجارية بالمشتري رضا منه ; لأنه لم يصنع شيئا ، والخيار من المشتري إنما يسقط باعتبار صنع أو يوجد دليل الرضا منه وصنعها به لا يكون دليل الرضا من المشتري بها ، وإنما هو دليل رضا بكون المشتري مولى لها ، ولو صرحت بذلك أو أسقطت الخيار كان ذلك لغوا منها ، وليس هذا نظير ما لو جنت على نفسها ; لأن سقوط خيار المشتري هناك بعجزه عن ردها كما قبضها لا لفعلها ألا ترى أنها وإن تعيبت من غير فعل أحد سقط خياره أيضا ، وجه قول أبي يوسف - رحمه الله - أن فعلها به في الحكم كفعله بها بدليل الوطء فإنه لو كان نائما فاستدخلت فرجه فرجها سقط خياره كما لو فعل بها فكذلك دواعي الوطء ألا ترى أن في حرمة المصاهرة يسوى بين الوطء ودواعيه وبين فعلها به وفعله بها .

وهذا لأن الفعل غير مسقط الخيار بنفسه بل بحكمه ، وهو أنه لا يحل إلا في الملك والحل باعتبار الملك يثبت من الجانبين فكما يسقط الخيار باعتبار هذا المعنى عند فعله بها فكذلك عند فعلها به وبعد قيام الدليل الحكمي لا يبقى خياره ، وإن انعدم رضاه كما لو تعيبت في يده بفعله أو بغير فعله ، وكما عجز هناك عن ردها كما قبض فقد عجز هنا عن ذلك ; لأنه إذا كان اشتراها من أبيه فقد اشتراها وهي حلال للأب وبعد هذا الفعل يردها وهي حرام عليه فيمتنع الرد كذلك ، والدليل عليه الرجعة ، فإن المرأة إذا صرحت بالرجعة لم يصح ذلك منها ثم جعل فعلها به في حكم ثبوت الرجعة كفعله بها فهذا مثله . قال أبو يوسف - رحمه الله - : وهذا في الخيار أقبح [ ص: 62 ] ولكن الكل قياس واحد يريد أن ملك الحل بسبب النكاح مشترك بين الزوجين ولا شركة بين المشتري والجارية في حقوق عقد الشراء والملك الثابت ، ولكن الكل قياس واحد من الوجه الذي قررنا ، وإنما يسقط إقرار المشتري أنها فعلت ذلك من شهوة ; لأن قول الأمة غير مقبول في إسقاط خياره ، وإقرار المشتري بذلك حجة عليه ألا ترى أن في حرمة أمها وابنتها عليه يعتبر إقرار المشتري بذلك فكذلك في سقوط خياره وروى بشر عن أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - أنها إن اختلست ذلك منه وهو كاره لم يسقط خياره ، وإن مكنها من ذلك حينئذ يسقط خياره لوجود دليل الرضا منه لتمكنها من تقبيله أو مسه بشهوة .

التالي السابق


الخدمات العلمية