الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فإذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو اشترى جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاز البيع في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم وعند زفر لا يجوز ; لأن الإيجاب في المدبر والمكاتب وأم الولد فاسد لما ثبت لهم من حق العتق ، وقد جعل ذلك شرطا لقبول العقد في الفرق بينهما فيفسد العقد كما في مسألة الحر ، وجه قولهما أن كل واحد منهما دخل في العقد ; لأن دخول الآدمي في العقد باعتبار الرق والتقوم ، وذلك موجود فيهما ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنزلة ما لو استحقه غيره بأن باع عبدين فاستحق أحدهما فهناك البيع جائز في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم يوضحه أن المبيع في المدبر ليس بفاسد على الإطلاق بدليل جواز بيع المدبر من نفسه فإنه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز ، وبدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه وكذلك المكاتب فإن بيعه من نفسه جائز ولو باعه [ ص: 5 ] من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين والذي روي في النوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - بخلاف هذا غير معتمد عليه ، وكذلك بيع أم الولد من نفسها جائز ولو قضى القاضي بجواز بيعها نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ولم ينفذ عند محمد ; لأن عنده إجماع التابعين - رحمهم الله - على فساد بيعها يرفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - فإن هذه المسألة كان مختلفا فيها في الصدر الأول فكان عمر رضي الله عنه يقول بأن بيع أم الولد لا يجوز ، وعلي رضي الله عنه كان يقول : بأنه يجوز ، ثم من بعدهم من السلف - رحمهم الله - اتفقوا على أن بيع أم الولد لا يجوز .

والحاصل أن الإجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يرفع ، وعند محمد يرفع وقضاء القاضي بخلاف الإجماع لا ينفذ وعندهما ليس لإجماع التابعين - رحمهم الله - من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة - رضوان الله عليهم - فكان هذا قضاء في فصل مجتهد فيه فإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى نفذ قضاء القاضي فيه ، وقضاء القاضي لا ينفذ في غير محله عرفنا أنه دخل في العقد ، ثم خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض فيبقى العقد صحيحا في الآخر حتى إذا كان قبضهما لزم البيع في القن بحصة من الثمن ، وكذلك إن كان عالما بذلك وقت البيع وإن لم يكن عالما به وقت البيع ولكن علم بذلك بعد القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل التمام فإن خيار تفرق الصفقة بمنزلة خيار العيب فإنما يثبت إذا لم يكن معلوما له

التالي السابق


الخدمات العلمية