الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ولو اشترى عبدا لم يره [ ص: 165 ] فكاتبه ثم عجز فرآه لم يكن له أن يرده بالخيار ، وكذلك خيار الشرط في ذلك ; لأن عقد الاكتساب لازم في جانب المولى وهو يعجزه عن الرد بحكم الخيار فمباشرته تتضمن سقوط خياره حكما فخيار الشرط والرؤية في ذلك سواء ، ولو حم العبد ثم ذهبت الحمى عنه كان له أن يرده بخيار الرؤية والشرط ; لأن الحمى عنده بمنزلة عيب حادث وذلك غير مسقط لخياره وإنما يمنعه عن الرد بغير رضى البائع لدفع الضرر عن البائع ، فإذا أقلعت الحمى عنه فقد زال معنى الضرر فكان هو على خياره في الرد بخلاف ما تقدم فإن عجزه عن الرد هناك لإيجابه حقا لازما للغير فيه وذلك مسقط لخياره حكما ، ولو أشهد على نقض البيع في الثلاثة بحضرة البائع والعبد محموم وله خيار الشرط ثم ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة ولم يحدث ردا حتى مضت الثلاثة الأيام كان له أن يرده بذلك الرد ; لأن نقضه البيع بحضرة البائع صحيح في حقه وإنما امتنع ثبوت حكمه في حق البائع لدفع الضرر عنه ، فإذا ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة فقد انعدم معنى الضرر فتم البيع في حق البائع أيضا فلهذا كان له أن يرده بعد مضي الأيام الثلاثة ; وهذا لأن الحمى حين ذهبت مع بقاء مدة الخيار تجعل المشتري كالمجدد للفسخ في هذه الحالة ; لأنه مصر على الفسخ الذي كان منه كأنه جدده بعد زوال المانع .

ولو تمادت به الحمى عشرة أيام ليس له بذلك الرد ولا بغيره ; لأن مدة الخيار ذهبت والمانع قائم فبطل حكم الرد لاستغراق المانع في جميع المدة ولأنه حين أقلعت الحمى عنه يصير كالمجدد للفسخ وهو لا يملك الرد به بعد مضي مدة الخيار وإنما يملك ذلك في مدة الخيار ، ولو خاصمه في الثلاثة إلى القاضي فرده المشتري وأبى البائع أن يقبله وهو محموم فإن القاضي يجيز البيع ويبطل الرد ; لأنه يرده بعيب حادث عنده وإنما كان تمكنه من الرد بحكم الخيار له لدفع الضرر عن نفسه لا لإلحاق الضرر بالبائع ، فإذا أدى ذلك إلى الإضرار بالبائع أبطل القاضي رده ولزمه البيع بقضاء القاضي فإن صح العقد في الثلاث لم يكن له أن يرده ; لأن إلزام القاضي إياه أقوى من التزامه إسقاط الخيار ، ولو أسقط خياره لم يكن له أن يرده بعد ذلك ، فإذا ألزمه القاضي كان أولى ، وكذلك هذا في خيار الرؤية ; لأن قضاء القاضي ببطلان رده مسقط لخياره حكما وذلك حاصل قبل الرؤية وهذا بخلاف الرجوع في الهبة فإن الموهوبة له إذا بنى في الدار الموهوبة ثم رجع الواهب فأبطل القاضي رجوعه ثم رفع الموهوب له بناءه كان للواهب أن يرجع فيها ; لأن حق الواهب في الرجوع لا يحتمل الإسقاط حتى لو أسقطه بنفسه كان إسقاطه باطلا [ ص: 166 ] فالقاضي إنما يمنع رجوعه بقضائه لأجل البناء لا أن يسقط حقه في الرجوع .

فإذا زال المانع كان له أن يرجع وهنا القاضي مسقط لخياره ; لأن خياره محتمل للسقوط فبعدما سقط خياره بقضاء القاضي لا يمكن من الرد بحكمه قال ، ولو أشهد على رده في الثلاثة بحضرة البائع وهو صحيح ثم حم قبل أن يقبضه البائع ثم أقلعت عنه الحمى وعاد إلى الصحة في الثلاثة أو بعدها فهو لازم للبائع ولا خيار له فيه ; لأن المشتري فسخ البيع وهو صحيح فعاد فسخه إلى ذلك البائع ثم بحدوث العيب في ضمان المشتري يثبت للبائع الخيار ، فإذا أقلعت الحمى فقد زال ذلك العيب وسقط ما كان من الخيار للبائع كما لو حدث بالمبيع عيب في يد البائع ثم زال العيب قبل أن يقبضه المشتري كان لازما للمشتري ولا خيار له فيه فهذا مثله ، وكذلك خيار الرؤية ، ولو خاصمه والحمى به فأبطل القاضي الرد وألزمه المشتري العبد فليس له أن يرده بعد ذلك ; لأن ذلك الفسخ بطل بقضاء القاضي بمنزلة البيع إذا أبطله القاضي للعيب الحادث عند البائع ثم زال العيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية