الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والأصل أن الزيادة نوعان : متصلة : ومنفصلة والمتصلة نوعان : زيادة غير متولدة من العين كالصبغ في الثوب والسمن والعسل في السويق وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق لمراعاة حق المشتري في مالية الزيادة والزيادة المتصلة التي هي متولدة من الأصل كالسمن وانجلاء البياض من العين ، وثياب للبس لا يمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية ; لأنه لا معتبر بها في عقود المعاوضات ، ألا ترى أنها إذا حدثت قبل القبض لا يتغير حكم انقسام الثمن بسببها وقيل [ ص: 104 ] على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هذه الزيادة تمنع الرد بالعيب وعند محمد لا تمنع على قياس مسألة التحالف وقد تقدم بيانها وأما الزيادة المنفصلة فهي نوعان : عين متولدة من الأصل كالكسب والغلة فلا تمنع الرد بالعيب ولكن الزيادة تسلم للمشتري به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الخراج بالضمان ثم الكسب والغلة بدل المنفعة وسلامة المنفعة للمشتري لا تمنع رد الأصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك سلامة بدل المنفعة ، وأما الزيادة المنفصلة التي هي متولدة من الأصل كاللبن والثمار والولد ، العقد إذا وطئت الجارية بالشبهة والأرش إذا جنى عليها بعدما قبضها المشتري فهو يمنع رد الأصل بالعيب عندنا .

وعند الشافعي لا يمنع ولكن يرد الأصل بجميع الثمن والزيادة تسلم للمشتري ; لأن هذه زيادة تملك بسبب ملك الأصل فلا يمنع رد الأصل بالعيب كالكسب والغلة وتأثيره أنه لا يقابل هذه الزيادة شيء من الثمن ; لأنها لم تكن موجودة لا عند العقد ولا عند القبض فكان جميع الثمن بمقابلة الأصل ألا ترى أن هذه الزيادة إذا هلكت من غير صنع أحد كان له أن يرد الأصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك إذا كانت قائمة في يد المشتري أو استهلكها هو أو غيره وبهذا يتبين أن هذه الزيادة ليست بمبيعة ; لأن المبيع ما يقابله الثمن فلو صارت هذه الزيادة مبيعة لقابلها شيء من الثمن كما قلتم في الزيادة الحادثة قبل القبض إذا قبضها المشتري مع الأصل والدليل عليه أنه لا يرد هذه الزيادة بعيب إذا وجد بها فلو صارت مبيعة لثبت فيها حكم الرد بالعيب ويجوز فسخ سبب الملك في الأصل مع بقاء الزيادة سالمة للمتملك كالموهوبة إذا زادت زيادة منفصلة ثم رجع الواهب فيها تبقى الزيادة سالمة للموهوب له وحجتنا في ذلك أن تملك المشتري في هذه الزيادة تملك مبيع فلو رد الأصل بجميع الثمن لبقيت الزيادة له مبيعا بلا ثمن وذلك ربا وبيان هذا أنه لا سبيل لملك الزيادة سوى التولد من الأصل وإنما يسري إليها الملك الثابت في الأصل وملكه في الأصل ملك مبيع ; لأن هذا الملك يثبت له بالشراء وما ثبت فهو باق من غير دليل منفي حتى يقوم الدليل والدليل عليه أن باعتبار قيام ذلك الملك التصرف في العقد بالإقالة وإذا ثبت أن ملكه في الأصل ملك مبيع فذلك الملك يسري إلى الزيادة ; لأن المتولد من عين الشيء يكون بصفته .

ألا ترى أن ولد المكاتبة وولد أم الولد من غير السيد يكون الملك فيه بصفة الملك في الأصل وبه [ ص: 105 ] فارق الكسب والغلة ; لأنه ملكه بسبب مبتدإ وما سرى إليه ملك الأصل ، ألا ترى أن كسب المكاتب لا يثبت فيه حكم الكتابة ، فإذا ثبت أن هذه الزيادة في حكم المبيع قلنا ليس بمقابلتها شيء من الثمن ; لأنها بيع محض والثمن بمقابلة الأصل دون البيع كأطراف المبيع لا يقابلها شيء من الثمن إلا أن يصير مقصودا بالتناول فكذلك الزيادة إن حدثت قبل القبض ثم قبضها المشتري مع الأصل صارت مقصودة بالتناول فيقابلها جزء من الثمن ومن ضرورة ذلك استحقاق صفة السلامة فيها ، فإذا وجد بها عيبا كان له أن يردها بذلك وقبل القبض لما كان لا يقابلها شيء من الثمن كان ردها مقصودا ، ولكن يردها مع الأصل تبعا وأما الزيادة الحادثة بعد القبض فلم تصر مقصودة بالتناول والقبض بحكم العقد فلا يقابلها ثمن فلهذا لا يكون له أن يردها ولا يرد الأصل دونها بجميع الثمن ; لأنها تبقى مبيعة سالمة للمشتري بغير عوض والربا ليس إلا هذا ولهذا لا يملك ردها ، وإن رضي البائع ; لأن تعذر الرد لحق الشرع ; ولهذا رجع بالنقصان .

وإن باعها بعد العلم بالعيب ; لأن الرد ممتنع لمكان الزيادة سواء رضي البائع بذلك أو لم يرض ولا يقال قبل رد الأصل الزيادة تسلم للمشتري مبيعا بلا ثمن فكذلك بعد رد الأصل ; لأن رد الأصل الزيادة تبع فتكون الزيادة بمقابلة الأصل يعني عن اعتبار الثمن بمقابلة المبيع ، فإذا تعذر رد الأصل بالعيب فقد انفسخ العقد فيه فالزيادة بعد ذلك لا تكون تبعا للأصل وإذا صارت مقصودة ولا يقابلها ثمن كانت ربا ; ولهذا يرد الأصل بالعيب بعد هلاك الزيادة ; لأن المانع زيادة كانت تبقى للمشتري مبيعا بلا ثمن وقد انعدم ذلك إذا هلك من غير صنع أحد ، وإن استهلكها أجنبي غرم بدلها فسلامة البدل للمشتري كسلامة الأصل ، وإن كان المشتري هو الذي استهلكها فلأنه حابس لها باستهلاكه أو لأنه استفاد البراءة عن الضمان بملكه فيها ، وذلك بمعنى عوض سلم إليه منها فمنفعة ذلك من ردها بالعيب بخلاف الموهوبة ; لأن بعد الرجوع في الأصل هناك الزيادة تبقى للموهوب له بغير عوض والأصل كان سالما موهوبا بغير عوض ولم يكن له ذلك ربا فكذلك الزيادة وهذا ; لأن حكم الربا إنما يثبت في المعاوضات دون التبرعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية