الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أحدهما البائع إذا لم ير المبيع قط بأن ورث شيئا فباعه قبل الرؤية فالبيع جائز عندنا ، وكان أبو حنيفة رضي الله عنه أولا يقول : له الخيار ثم رجع وقال : لا خيار له ، وقال الشافعي : لا يجوز بيعه قولا واحدا ، والدليل على جوازه ما روي أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه باع أرضا له بالبصرة من طلحة رضي الله تعالى عنه فقيل لطلحة : إنك قد عينت ( فقال ) [ ص: 71 ] الخيار لي لأني اشتريت ما لم أره فذكر ذلك لعثمان رضي الله تعالى عنه فقال لي الخيار لأني بعت ما لم أره فحكما جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه في ذلك فقضى بالخيار لطلحة رضي الله تعالى عنه فقد اتفقوا على جواز الشرط ، ولهذا رجع أبو حنيفة حين بلغه الحديث ، وقال : لا خيار للبائع ، وهذا لأن تمام رضاه باعتبار علمه بما يدخل في ملكه لا بما يخرج عن ملكه ، والمبيع يخرج عن ملك البائع ، وإنما يدخل في ملكه الثمن وهو طريق إعلامه التسمية دون الرؤية ، فأما إذا كان البائع قد رأى المعقود عليه ولم يره المشتري فهو على الخلاف الذي قلنا : وبعد العقد قبل الرؤية للمشتري أن يفسخ العقد ; لأن تمكنه من الفسخ باعتبار أن العقد غير لازم وما لم يتم الرضا به لا يكون العقد لازما فكان له أن يفسخ العقد قبل الرؤية ، وليس له أن يلزم العقد قبل الرؤية ; لأن اللزوم يعتمد تمام الرضا .

وإنما يتم رضاه إذا علم بالأوصاف التي هي مقصوده ، وإنما يصير ذلك معلوما بالرؤية وهذا بخلاف خيار العيب فإن العلم بالأوصاف قبل رؤية موضع العيب يثبت على الوجه الذي اقتضاه العقد ، وهو صفة السلامة فإنما يثبت خيار العيب لثبوت حق المطالبة له بتسليم الجزء الفائت ، وذلك يحتمل الإسقاط فلهذا صح الإبراء قبل رؤية العيب يوضحه أن في الرضا قبل الرؤية هنا إبطال حكم ثبت بالنص وهو الخيار للمشتري عند رؤية المعقود عليه ; لأنه يراه بعد ذلك ولا خيار له ، وليس له في الفسخ إبطال حكم ثابت بالنص ; لأنه يوجد رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار ، وقد أثبت الشرع الخيار عند رؤية المعقود عليه بخلاف الفسخ قبل الرؤية ; لأن بالفسخ خرج من أن يكون معقودا عليه فلا يوجد بعد ذلك رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار ثم يشترط لإسقاط الخيار هنا الرؤية التي توجب إعلام ما هو المقصود ، وذلك في بني آدم برؤية الوجه وفي الدواب برؤية وجهها وكفلها ومؤخرها فيما يروى عن أبي يوسف ، وفي الغنم يحتاج مع ذلك إلى الجنس ، وفيما يكون المقصود منه اللبن يحتاج إلى رؤية الضرع وفيما يعلم بالذوق والشم يحتاج إلى ذلك أيضا ; لأن العلم بما هو المقصود إنما يحصل به فلا يسقط خياره ما لم يرض بعد العلم بما هو المقصود صريحا أو دلالة ، وليس للخيار في هذا وقت ; لأن الحديث ورد بخيار مطلق للمشتري فالتوقيت فيه زيادة على النص ولأن هذا في معنى خيار العيب ، وذلك لا يتوقت إلا أن خيار العيب يجوز الصلح عنه على مال بخلاف خيار الرؤية ; لأن الحق هناك في الجزء الفائت والاصطلاح يكون على رد حصة الجزء الفائت من الثمن ولهذا لو تعذر [ ص: 72 ] الرد رجع بحصة العيب من الثمن ، وهنا الخيار للجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك ليس بمال فلا يجوز الصلح عنه على مال كخيار الشرط ولهذا قلنا : إن خيار العيب يورث ; لأن الوارث يقوم مقام المورث فيما هو مال وخيار الرؤية لا يورث كخيار الشرط قال : فإن رأى بعض الثياب فهو فيما بقي منها بالخيار ; لأن الثياب تتفاوت فلا يستدل برؤية بعضها على رؤية البعض .

وإذا أراد الرد فليس له أن يرد ما لم يره خاصة ولكن يرد الكل أو يمسك الكل ; لأن خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة كخيار الشرط فإن كل واحد منهما يمنع اللزوم لعدم تمام الرضا فكما أن من له خيار الشرط لا يتمكن من تفريق الصفقة قبل التمام بلزوم العقد .

فكذلك من له خيار الرؤية ويستوي في ذلك ما قبل القبض وما بعد القبض ; لأن الصفقة إنما تتم بالقبض باعتبار تمام الرضا ، ولا يكون ذلك قبل الرؤية بخلاف خيار العيب فهناك الصفقة تتم بالقبض لتمام الرضا به على ما هو مقتضى العقد وهو صفة السلامة قال ولو تعذر رد البعض الهالك في يد المشتري قبل الرؤية فليس له أن يرد ما بقي ; لأنه تعذر عليه رد الهالك ، وليس له أن يفرق الصفقة في الرد قبل التمام فمن ضرورة تعذر الرد في الهالك تعذر الرد فيما بقي إلا في رواية عن أبي يوسف قال : له أن يرد ما بقي ; لأنه لو صرح بإلزام العقد قبل الرؤية لم يسقط خياره فبهلاك البعض أولى أن لا يسقط خياره فيما بقي ، ولكنه قبل الهلاك باختياره رد البعض هو فاسد للإضرار بالبائع فيرد عليه قصده ، وذلك لا يوجد بعد الهلاك فيتمكن من رد ما بقي وكذلك كل حيوان أو عرض

التالي السابق


الخدمات العلمية