باب بيوع
أهل الذمة قال وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=4437اشترى الذمي مملوكا مسلما صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى من مسلم أو ذمي جاز شراؤه في قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يجوز شراؤه لقول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وفي إثبات الملك للكافر على المسلم سبب يكسبه إثبات أقوى السبيل له عليه والمعنى فيه أن الكافر لا يقر على تحصيل مقصود هذا العقد لحرمة الإسلام فلا يصح استدامته كنكاح المسلمة وبيان الوصف أن المقصود استدامة الملك ولهذا لا يصح البيع إلا مؤبدا ، وهو ممنوع من استدامة الملك على المسلم ; لأنه يجبر
[ ص: 131 ] على بيعه .
فإذا لم يصح منه استدامة الملك على المسلم لا يصح مباشرة سبب الملك الدليل عليه أن إسلام المملوك مع كفر المالك يمنع استدامة الملك إذا طرأ فيمتنع ثبوت الملك إذا اقترن بالسبب كما في النكاح ، وهذا ; لأن الكافر ممنوع من استذلال المسلم وفي إثبات الملك له عليه استذلال المسلم ولهذا لا يسترق الكافر المسلم فكذلك لا يشتريه ; لأن الثابت بالشراء له ملك متجدد بتجدد سببه ولهذا لا يرد بالعيب على بائعه فيكون هذا في المعنى كالاسترقاق بخلاف الإرث فإنه يبقى للوارث الملك الذي كان للمورث ولهذا يرث المسلم الخمر ولا يملك الخمر بالشراء وبخلاف البيع ; لأنه بالبيع يزول ملكه وذله على المسلم واكتساب سبب إزالة الذل غير ممنوع منه إنما الممنوع منه اكتساب سبب الذل ، وهذا النهي لمعنى في المنهي عنه فيكون مفسدا للعقد ، ألا ترى أن الكافر يطلق امرأته المسلمة ولا يصح عقد النكاح من الكافر على المسلمة ، وهذا بخلاف الولد يشتري والده يجوز ، وإن كان الولد ممنوعا عن إذلال والده ; لأن بالشراء هناك تتم علة العتق فيتخلص به عن ذل الرق والأمور بعواقبها فباعتبار المآل يصير هذا الشراء إكراما ا لا إذلالا ; ولهذا قلنا
nindex.php?page=treesubj&link=4437الابن الكافر إذا اشترى أباه المسلم يجوز .
وكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=4437_7590_24141قال الكافر لمسلم أعتق عبدك هذا على ألف درهم يجوز ويتملكه الكافر ثم يعتق عليه ، وهو نظير الفصد فهو جرح لا يجوز الإقدام عليه من غير حاجة وعند الحاجة يكون دواء ، والذي يحقق ما قلنا أنه بالشراء يتمكن من قبضه وفي إثبات اليد للكافر على المسلم على وجه يستفيد به ملك التصرف معنى الذل ولا يوجد ذلك في حق من يعتق عليه وإن قلتم إنه يمتنع من قبضه فيقول ما لا يتأتى فيه القبض بحكم الشراء لا يجوز شراؤه كالعبد الآبق ; وهذا لأن فوات القبض إذا طرأ بهلاك المعقود عليه قبل التسليم كان مبطلا للعقد ، فإذا اقترن بالعقد منع انعقاد العقد والدليل عليه المحرم إذا اشترى طيبا لا يملكه ; لأنه ممنوع من إثبات اليد عليه ، وكذا على الصيد لإحرامه فلا يملكه بالشراء كما لا يملكه بالاصطياد فكذلك الكافر في العبد المسلم وحجتنا في ذلك العمومات المجوزة للبيع من الكتاب والسنة والمعنى فيه أن الكافر يملك بيع عبده المسلم فيملك شراءه كالمسلم ، وهذا ; لأن صحة التصرف باعتبار أهلية التصرف وكون المحل قابلا للتصرف وما يصير به أهلا للتصرف يستوي فيه الكافر والمسلم وإنما يكون المحل محلا للتصرف لكونه مالا متقوما والعبد المسلم مال متقوم في حق المسلم والكافر جميعا
[ ص: 132 ] ألا ترى أن البيع يستدعي محلا هو مال متقوم كالشراء فنفوذ بيعه دليل على أنه مال متقوم في حقه وفي تصحيح البيع إظهار سلطان مالكيته ولم يكن في عينه من معنى الاستذلال شيء حتى يؤمر به شرعا فكذلك في تصحيح الشراء إثبات سلطان الملكية .
ولا يكون في عينه من معنى الإذلال شيء وبهذا يتبين أن النهي ليس لمعنى في عين الشراء بل لمعنى في قصده ، وهو الاستخدام قهرا بملك اليمين ولا يمنع صحة الشراء كالنهي عن الشراء وقت النداء ; ولهذا ندب الولد إلى شراء أبيه مع أنه ممنوع من إذلاله ; لأنه لا يقصد بشرائه الاستخدام ، ولو كان إثبات الملك بطريق الشراء عينه إذلالا لكان القريب ممنوعا عنه في قريبه ; لأن كل طاعة لا تصل إليها إلا بمعصية لا يجوز الإقدام عليها ثم تحقيق هذا الكلام أن بالشراء لا تتبدل صفة المحل ; لأنه كان مملوكا قبل شرائه وبقي مملوكا بعد شرائه وإنما تتحول الإضافة من المسلم إلى الكافر ، وهي إضافة مشروعة ، ألا ترى أنه يرث الكافر العبد المسلم وبالإرث تتجدد الإضافة في حق الوارث ولكن لا يتبدل وصف المحل فلا يكون عينه إذلالا بخلاف الاسترقاق فيه تتبدل صفة المحل فيصير مملوكا بعد أن كان مالكا والمملوكية إذا قوبلت بالملكية كانت المملوكية في غاية الذل والهوان وهذا غير مشروع للكافر على المسلم .
وكذلك النكاح ; لأن بعقد النكاح يتجدد ثبوت المملوكية في المحل وكان ينبغي أن لا يثبت للمسلم على المسلمة إلا أنه لضرورة الحاجة إلى قضاء الشهوة وإقامة النسل أثبت الشرع ذلك للمسلم على المسلمة فيبقى في حق الكافر إذلالا فلا يكون مشروعا للكافر على المسلمة ألا ترى أن ملك النكاح يبقى للكافر على المسلمة ; لأنه ليس في إبقاء الملك تبديل صفة المحل فصار الشراء هنا في معنى الإذلال بمنزلة البقاء في ملك النكاح ويوضحه أن المحلية للنكاح باعتبار صفة المحل ولهذا لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية والمرتدة والأخت من الرضاعة والمسلمة ليست بمتحللة في حق الكافر فلانعدام المحل لا ينعقد النكاح ولكن يبقى ; لأن فوات المحل عارض على شرف الزوال فيمنع ابتداء النكاح ولا يمنع البقاء كالفوات بسبب العدة ، وكذلك القبض الذي يتم به العقد ليس فيه معنى الإذلال ; لأن ذلك يحصل بالتخلية ، وليس هذا نظير المحرم يشتري صيدا ; لأن الصيد في حق المحرم محرم العين قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلم يكن مالا متقوما كالخمر في حق المسلم ولهذا لا يجوز بيعه
[ ص: 133 ] عندنا فكذلك شراؤه فإنما بطل ذلك التصرف لانعدام المحل بخلاف ما نحن فيه ولسنا نقول بأنه لا يقر على مقصود هذا العقد بل يقر على مقصوده إذا أسلم ثم موجب الشراء إثبات الملك فأما استدامة الملك فليس من موجبات العقد ولا يمنع صحة الشراء لكونه ممنوعا من استدامة الملك فيه كالمسلم يشتري عبدا مرتدا فيصح شراؤه ، وإن كان ممنوعا من استدامة الملك فيه وعند التأمل في تصحيح هذا الشراء إظهار ذل الكافر دون المسلم ; لأن العبد المسلم يتسلط به على الكافر فيخاصمه ويجره إلى باب القاضي يجبره على بيعه شاء أو أبى .
ولهذا يتبين أن هذا النوع من التصرف لم يدخل تحت قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } مع أن المراد بالآية أحكام الآخرة بدليل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141فالله يحكم بينكم يوم القيامة } وعلى هذا الخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=4436الكافر إذا اشترى مصحفا لا يصح الشراء عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأنه يستخف به فيرجع ذلك إلى إذلال المسلمين وعندنا يصح شراؤه ; لأنه ليس في عين الشراء من إذلال المسلمين شيء وكلامنا في هذا الفصل أظهر فالكافر لا يستخف بالمصحف ; لأنه يعتقد أنه كلام فصيح وحكمة بالغة ، وإن كان لا يعتقد أنه كلام الله عز وجل فلا يستخف به ثم يجبر على بيع العبد من المسلمين ; لأنه لو ترك في ملكه استخدمه قهرا بملك اليمين وفيه ذل فيجبر على إزالة هذا الذل ، وذلك ببيعه من المسلمين ولا يترك ليبيعه من كافر آخر ، وإن كان لو باعه جاز ولكن المقصود لا يحصل به فلا يمكن منه ، وكذلك يجبر على بيع المصحف ; لأنه لا يعظمه كما يجب تعظيمه وإذا ترك في ملكه يمسه ، وهو نجس وقال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إنما المشركون نجس } وقال الله تعالى في القرآن {
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يمسه إلا المطهرون } فلهذا يجبر على بيعه من المسلمين .
وكذلك إن
nindex.php?page=treesubj&link=4594أسلم مملوك الذمي فإنه يجبر على بيعه من المسلمين وذلك بعد أن يعرض عليه الإسلام فلعله يسلم فيترك العبد في ملكه فإن أبى ذلك أجبر على بيعه كالكافر إذا أسلمت امرأته يعرض عليه الإسلام فإن أبي فرق بينهما إلا أن ملك النكاح ليس بمال متقوم فيجوز إزالته مجانا عند إبانة الإسلام وملك اليمين مال متقوم محترم بعقد الذمة فلا يجوز إبطاله عليه بالعتق مجانا ولا بد من إزالة ملكه عن المسلم فيجبر على بيعه بقيمته ليستوفي المالية ويحصل المقصود .
بَابُ بُيُوعِ
أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=4437اشْتَرَى الذِّمِّيُّ مَمْلُوكًا مُسْلِمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ جَازَ شِرَاؤُهُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ سَبَبٌ يُكْسِبُهُ إثْبَاتَ أَقْوَى السَّبِيلِ لَهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَرُّ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ هَذَا الْعَقْدِ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِدَامَتُهُ كَنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا مُؤَبَّدًا ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ يُجْبَرُ
[ ص: 131 ] عَلَى بَيْعِهِ .
فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ سَبَبِ الْمِلْكِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ إسْلَامَ الْمَمْلُوكِ مَعَ كُفْرِ الْمَالِكِ يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْمِلْكِ إذَا طَرَأَ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ إذَا اقْتَرَنَ بِالسَّبَبِ كَمَا فِي النِّكَاحِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّ الْكَافِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ عَلَيْهِ اسْتِذْلَالُ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَرِقُّ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَذَلِكَ لَا يَشْتَرِيهِ ; لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشِّرَاءِ لَهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ فَيَكُونُ هَذَا فِي الْمَعْنَى كَالِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ وَلَا يَمْلِكُ الْخَمْرَ بِالشِّرَاءِ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ وَذُلُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاكْتِسَابُ سَبَبِ إزَالَةِ الذُّلِّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ إنَّمَا الْمَمْنُوعُ مِنْهُ اكْتِسَابُ سَبَبِ الذُّلِّ ، وَهَذَا النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْمُسْلِمَةَ وَلَا يَصِحُّ عَقَدُ النِّكَاحِ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ يَشْتَرِي وَالِدَهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَمْنُوعًا عَنْ إذْلَالِ وَالِدِهِ ; لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ هُنَاكَ تَتِمُّ عِلَّةُ الْعِتْقِ فَيَتَخَلَّصُ بِهِ عَنْ ذُلِّ الرِّقِّ وَالْأُمُورُ بِعَوَاقِبِهَا فَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ يَصِيرُ هَذَا الشِّرَاءُ إكْرَامًا ا لَا إذْلَالًا ; وَلِهَذَا قُلْنَا
nindex.php?page=treesubj&link=4437الِابْنُ الْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ الْمُسْلِمَ يَجُوزُ .
وَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=4437_7590_24141قَالَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَكَ هَذَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَجُوزُ وَيَتَمَلَّكُهُ الْكَافِرُ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْفَصْدِ فَهُوَ جُرْحٌ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يَكُونُ دَوَاءً ، وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ مَا قُلْنَا أَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ وَفِي إثْبَاتِ الْيَدِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَفِيدُ بِهِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ مَعْنَى الذُّلِّ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ قَبْضِهِ فَيَقُولُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ ; وَهَذَا لِأَنَّ فَوَاتَ الْقَبْضِ إذَا طَرَأَ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْمُحْرِمُ إذَا اشْتَرَى طِيبًا لَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا عَلَى الصَّيْدِ لِإِحْرَامِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالشِّرَاءِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ بِالِاصْطِيَادِ فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ الْعُمُومَاتُ الْمُجَوِّزَةُ لِلْبَيْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بَيْعَ عَبْدِهِ الْمُسْلِمَ فَيَمْلِكُ شِرَاءَهُ كَالْمُسْلِمِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَكَوْنُ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِلتَّصَرُّفِ وَمَا يَصِيرُ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَحَلُّ مَحَلًّا لِلتَّصَرُّفِ لِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ جَمِيعًا
[ ص: 132 ] أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالشِّرَاءِ فَنُفُوذُ بَيْعِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ وَفِي تَصْحِيحِ الْبَيْعِ إظْهَارُ سُلْطَانِ مَالِكِيَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِذْلَالِ شَيْءٌ حَتَّى يُؤْمَرَ بِهِ شَرْعًا فَكَذَلِكَ فِي تَصْحِيحِ الشِّرَاءِ إثْبَاتُ سُلْطَانِ الْمِلْكِيَّةِ .
وَلَا يَكُونُ فِي عَيْنِهِ مِنْ مَعْنَى الْإِذْلَالِ شَيْءٌ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِ الشِّرَاءِ بَلْ لِمَعْنًى فِي قَصْدِهِ ، وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ كَالنَّهْيِ عَنْ الشِّرَاءِ وَقْتَ النِّدَاءِ ; وَلِهَذَا نَدَبَ الْوَلَدَ إلَى شِرَاءِ أَبِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إذْلَالِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِشِرَائِهِ الِاسْتِخْدَامَ ، وَلَوْ كَانَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ عَيْنِهِ إذْلَالًا لَكَانَ الْقَرِيبُ مَمْنُوعًا عَنْهُ فِي قَرِيبِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ لَا تَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِمَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بِالشِّرَاءِ لَا تَتَبَدَّلُ صِفَةُ الْمَحَلِّ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا قَبْلَ شِرَائِهِ وَبَقِيَ مَمْلُوكًا بَعْدَ شِرَائِهِ وَإِنَّمَا تَتَحَوَّلُ الْإِضَافَةُ مِنْ الْمُسْلِمِ إلَى الْكَافِرِ ، وَهِيَ إضَافَةٌ مَشْرُوعَةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرِثُ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَبِالْإِرْثِ تَتَجَدَّدُ الْإِضَافَةُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَلَكِنْ لَا يَتَبَدَّلُ وَصْفُ الْمَحَلِّ فَلَا يَكُونُ عَيْنُهُ إذْلَالًا بِخِلَافِ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ تَتَبَدَّلُ صِفَةُ الْمَحَلِّ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالِكًا وَالْمَمْلُوكِيَّة إذَا قُوبِلَتْ بِالْمِلْكِيَّةِ كَانَتْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي غَايَةِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَهَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ .
وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ يَتَجَدَّدُ ثُبُوتُ الْمَمْلُوكِيَّةِ فِي الْمَحَلِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِقَامَةِ النَّسْلِ أَثْبَتَ الشَّرْعُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ فَيَبْقَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ إذْلَالًا فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَبْقَى لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إبْقَاءِ الْمِلْكِ تَبْدِيلُ صِفَةِ الْمَحَلِّ فَصَارَ الشِّرَاءُ هُنَا فِي مَعْنَى الْإِذْلَالِ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَاءِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لِلنِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَحَلِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْمُسْلِمَةُ لَيْسَتْ بِمُتَحَلِّلَةٍ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَلِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يَبْقَى ; لِأَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ كَالْفَوَاتِ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْقَبْضُ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْإِذْلَالِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ الْمُحْرِمِ يَشْتَرِي صَيْدًا ; لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } فَلَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
[ ص: 133 ] عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ فَإِنَّمَا بَطَلَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلَسْنَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَقْصُودِ هَذَا الْعَقْدِ بَلْ يُقَرُّ عَلَى مَقْصُودِهِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مُوجِبُ الشِّرَاءِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَأَمَّا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَلَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ يَشْتَرِي عَبْدًا مُرْتَدًّا فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الشِّرَاءِ إظْهَارُ ذُلِّ الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْكَافِرِ فَيُخَاصِمُهُ وَيَجُرُّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى .
وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=4436الْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّهُ يَسْتَخِفُّ بِهِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَنَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَيْنِ الشِّرَاءِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ وَكَلَامُنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ فَالْكَافِرُ لَا يَسْتَخِفُّ بِالْمُصْحَفِ ; لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَلَامٌ فَصِيحٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ فِي مِلْكِهِ اسْتَخْدَمَهُ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَفِيهِ ذُلٌّ فَيُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الذُّلِّ ، وَذَلِكَ بِبَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُتْرَكُ لِيَبِيعَهُ مِنْ كَافِرٍ آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ بَاعَهُ جَازَ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْمُصْحَفِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُهُ كَمَا يَجِبْ تَعْظِيمُهُ وَإِذَا تُرِكَ فِي مِلْكِهِ يَمَسُّهُ ، وَهُوَ نَجِسٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ } فَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَذَلِكَ إنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4594أَسْلَمَ مَمْلُوكُ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَعَلَّهُ يُسْلِمُ فَيَتْرُكَ الْعَبْدَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ كَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبِي فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَجُوزُ إزَالَتُهُ مَجَّانًا عِنْدَ إبَانَةِ الْإِسْلَامِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَرَمٌ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَالِيَّةَ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ .