[ ص: 64 ] ( باب دخوله ) أي المحرم وخص ؛ لأن الكلام فيه وإلا فكثير من السنن الآتية يخاطب بها الحلال أيضا ومن ثم حذف الضمير في نسخ ( مكة ) قيل الأنسب تبويب التنبيه بباب صفة الحج ؛ لأنه ذكر فيه كثيرا مما لا تعلق له بدخولها بل الحج عرفة ولا تعلق لها بها ويرد بأن دخولها يستدعي كل ذلك فاكتفي به عنه ، وهو بالميم والباء للبلد وقيل بالميم للحرم وبالباء للمسجد وقيل بالميم للبلد وبالباء للبيت أو والمطاف وهي كبقية الحرم أفضل الأرض عندنا وعند جمهور العلماء للأخبار الصحيحة المصرحة بذلك وما عارضها بعضه ضعيف وبعضه موضوع كما بينته في الحاشية ومنه خبر { إنها أي المدينة أحب البلاد إلى الله تعالى } فهو موضوع اتفاقا ، وإنما صح ذلك من غير نزاع فيه في مكة إلا التربة التي ضمت أعضاءه الكريمة صلى الله عليه وسلم فهي أفضل إجماعا حتى من العرش والتفضيل قد يقع بين الذوات ، وإن لم يلاحظ ارتباط عمل بها كالمصحف أفضل من غيره فاندفع ما لبعضهم هنا ويسن المجاورة بها ( مكة ) إلا لمن لم يثق من نفسه بالقيام بتعظيمها وحرمتها واجتناب ما ينبغي اجتنابه وليستشعر المقيم بها قوله تعالى { ومن يرد فيه بإلحاد } أي ميل { بظلم نذقه من عذاب أليم } فرتب إذاقة العذاب الموصوف بالأليم المرتب مثله على الكفر في آيات ، وإن كان الألم مقولا بالتشكيك على مجرد إرادة المعصية به ولو صغيرة ولا نظر لمخالفة ذلك للقواعد ؛ لأنه من خصوصيات الحرم على ما اقتضاه ظاهر الآية فتدبره مع قول بعض السلف إن هذا بعمومه مرتب على مجرد الإرادة بغير الحرم ، وإن لم يدخله أي وفيه متعلق بإلحاد وكان ابن عباس وغيره أخذوا منه قولهم إن السيئات تضاعف بها ( مكة ) كما تضاعف الحسنات أي تعظم فيها أكثر منها في غيرها لا أنها تتعدد لئلا ينافي الآية والأحاديث المصرحة [ ص: 65 ] بعدم التعدد في السيئة وآية { ومن يرد } لا تقتضي غير ذلك العظم كما هو ظاهر وقد صح على نزاع فيه خبر { أن حسنة الحرم بمائة ألف حسنة } ودلت الأخبار كما بينته في الحاشية على أن الصلاة أي بالمسجد الحرام على الأصح وقيل بكل الحرم امتازت على الكل بمضاعفة كل صلاة فرض أو نفل إلى مائة ألف ألف ألف صلاة ثلاثا كما مر وبهذا كالذي قبله يرد على من زعم منا أفضلية السكنى بالمدينة ؛ لأن ما ورد من فضلها لا يوازي هذا وأفضل موضع منها بعد المسجد ( مكة ) بيت خديجة المشهور الآن بزقاق الحجر المستفيض بين أهل مكة خلفا عن سلف أن ذلك الحجر البارز فيه هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم { إني لأعرف حجرا كان يسلم علي بمكة } ( الأفضل ) لمحرم بحج أو قران ( دخولها قبل الوقوف ) ( مكة ) إن لم يخش فوته للاتباع واغتناما لعظم ثواب العبادات بها في عشر الحجة الذي صح فيه خبر { ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله تعالى من العمل في عشر ذي الحجة } ( وأن يغتسل داخلها ) أي مريد دخولها ( مكة ) ولو حلالا والأفضل أن يكون غسل الجائي ( من طريق المدينة ) ، وهي طريق التنعيم التي يدخل منها أهل مصر والشام ونحوهما ( بذي طوى ) بتثليث أوله والفتح أفصح أي بماء البئر التي فيه عندها بعد المبيت وصلاة الصبح به للاتباع متفق عليه ، وهو محل بين المحلين المسميين الآن بالحجونين به بئر مطوية أي مبنية بالحجارة فنسب الوادي إليها وفي البخاري رواية تقتضي أن اسمه طوى وردت بأن المعروف أنه ذو طوى لا طوى وثم الآن آبار متعددة والأقرب أنها التي إلى باب سبيكة أقرب أما الداخل من غير تلك الطرق ، فإن أراد الدخول من الثنية العليا كما هو الأفضل سن له الغسل من ذي طوى أيضا ؛ لأنه يمر بها وإلا اغتسل من مثل مسافتها ( و ) أن ( يدخلها ) كل أحد ولو حلالا ( من ثنية كداء ) ( مكة ) بفتح الكاف والمد والتنوين وعدمه [ ص: 66 ] وتسمى على نزاع فيه الحجون الثاني المشرف على المقبرة المسماة بالمعلاة ، وإن لم يكن بطريقه ويخرج ، وإن لم تكن على طريقه ولو إلى عرفة على ما فيه من ثنية كدى بالضم والقصر والتنوين وعدمه ، وهو المشهور الآن بباب الشبيكة للاتباع فيهما ورغم أن دخوله من العليا اتفاقي ؛ لأنها بطريقه ترده المشاهدة القاضية بأنه ترك طريقه الواصلة إلى الشبيكة وعرج عنها إلى تلك التي ليست بطريقه قصدا مع صعوبتها وسهولة تلك ولا ينافي طلب التعريج إليها السابق أنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم عند مجيئه من الجعرانة محرما بالعمرة ولا من منى عند نفره ؛ لأنه لا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع فهو مشكوك فيه وتعريجه إليها قصدا أولا معلوم فقدم وكذا يقال في الخروج من السفلى إنه معلوم وإلى عرفة أو غيرها إنه مشكوك فيه فقدم المعلوم وما قيس به وحكمته الإشعار بعلو قدر ما يدخله على غيره وفي الخروج بالعكس أو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم لما أمره الله تعالى بعد بنائه الكعبة أن يؤذن في الناس بالحج كان نداؤه على الثنية العليا فأوثرت بالدخول منها لذلك كما أوثر لفظ لبيك قصدا لإجابة ذلك النداء كما مر ولا ينافي ذلك رواية أنه نادى على مقامه أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج إلى بيته فحجوا فأجابته النطف في الأصلاب بلبيك لاحتمال أنه أذن على كل منها ومقامه هو حجره المنزل إليه من الجنة كما يأتي وعلم مما تقرر ندب التعريج لمن ليست على طريقه للدخول لا للغسل ؛ لأن حكمة الدخول لا تتأتى إلا بسلوكها بخلاف الغسل ويسن أن يدخل ولو في العمرة نهارا [ ص: 67 ] وبعد الصبح والذكر ماشيا وحافيا إن لم يخش نجاسة أو مشقة


