( و ) على الأظهر
nindex.php?page=treesubj&link=4464 ( تكفي ) في صحة البيع ( الرؤية قبل العقد فيما لا ) يظن أنه ( يتغير غالبا إلى وقت العقد ) كأرض وآنية وحديد ونحاس نظرا لغلبة بقائه على ما رآه عليه نعم لا بد أن يكون ذاكرا حال البيع لأوصافه التي رآها
nindex.php?page=treesubj&link=24027كأعمى اشترى ما رآه قبل العمى ، وإلا لم يصح كما قاله
الماوردي ، وأقره المتأخرون ، وقول المجموع إنه غريب أي نقلا على أن غيره صرح به أيضا لا مدركا إذ النسيان يجعل ما سبق كالمعدوم فيفوت شرط العلم بالمبيع فلا ينافي تصحيح غيره له وجعله تقييدا لإطلاقهم .
وانتصر بعضهم لتضعيفه بجعلهم النسيان غير دافع للحكم السابق في مسائل منها لو
nindex.php?page=treesubj&link=23823_14749أنكر الموكل الوكالة لنسيان لم يكن عزلا ولو
nindex.php?page=treesubj&link=3474_22767نسي فأكل في صومه أو جامع في إحرامه لم يفسد وبأنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=4464_4459رأى المبيع ثم التفت عنه واشتراه غافلا عن أوصافه صح ويرد بأن مدار العزل على ما يشعر بعدم الرضا بالتصرف وبطلان الصوم والحج على ما ينافيهما مما فيه تعد ولم يوجد ذلك ومدار البيع على عدم الغرر وبالنسيان يقع فيه
[ ص: 265 ] وما ذكر في الفرع الأخير هو من محل النزاع فلا يستدل به وبفرض أن المنقول فيه ما ذكر فالغرر فيه ضعيف جدا فلا يلتفت إليه .
وبحث بعضهم أنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=24797_23027رأى الثمرة قبل بدو الصلاح ثم اشتراها بعده ولم يرها لم يصح ، وإن قربت المدة أي ؛ لأنه يتغير بنحو اللون فكان أولى مما يغلب تغيره فإنه يبطل ، وإن لم يتغير لعارض كما يأتي ، وإذا صح فوجده متغيرا عما رآه عليه تخير فإن اختلفا في التغير صدق المشتري وتخير ؛ لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به والأصل عدم ذلك ، وإنما صدق البائع فيما إذا اختلفا في عيب يمكن حدوثه لاتفاقهما على وجوده في يد المشتري والأصل عدم وجوده في يد البائع ( دون ما ) يظن أنه ( يتغير غالبا ) لطول مدة أو لعروض أمر آخر كالأطعمة التي يسرع فسادها ؛ لأنه لا وثوق حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية قيل تنافى كلامه فيما يحتمل التغير وعدمه على السواء كالحيوان إذ قضية مفهوم أوله البطلان وآخره الصحة والأصح فيه الصحة كالأول بشرطه ؛ لأن الأصل بقاء المرئي بحاله وما ذكر من التنافي غير مسلم بل هو داخل في منطوق أول كلامه ومفهوم آخره ؛ لأن القيد هنا للمنفي لا للنفي أي ما لا يغلب تغيره سواء أغلب عدم تغيره أم استويا دون ما يغلب تغيره فهو داخل في منطوق الأول ومفهوم الثاني فلا تنافي وجعل الحيوان مثالا هو ما درجوا عليه ، وهو ظاهر فما وقع لصاحب الأنوار ومن تبعه من أنه قسيم له وحكمهما واحد فيه نظر ، وإن أمكن توجيهه بأنه لما شك فيه هل هو مما يستوي فيه الأمران أو لا ألحق بالمستوي لأن الأصل عدم المانع وجعل قسيما له ؛ لأنه لم يتحقق فيه الاستواء فتأمله .
( تنبيه ) قضية إناطتهم التغير وعدمه بالغالب لا بوقوعه بالفعل أنه لا ينظر لهذا حتى لو غلب التغير فلم يتغير أو عدمه فتغير أو استوى فيه الأمران فتغير أو لم يتغير لم يؤثر ذلك فيما قالوه في كل من الأقسام من البطلان في الأول
[ ص: 266 ] والصحة في الأخيرين ، ويوجه بأنا إنما نعتبر الغلبة وعدمها عند العقد دون ما يطرأ بعده .
( تنبيه آخر مهم جدا ) ما ذكرته في القيد والنفي مبني على قاعدة استنبطتها من كلام غير واحد من المحققين تبعا
للشيخ عبد القاهر وحاصلها أنك إن اعتبرت دخول النفي على كلام مقيد كان نفيا لذلك القيد دائما لاستحالة كون القيد هنا للنفي ؛ لأن الفرض دخوله على كلام مقيد فتمحض انصرافه للقيد لا غير ، وإن اعتبرت اشتمال الكلام على قيد ونفي فالأرجح المتبادر انصراف النفي إلى القيد هنا أيضا ليفيد نفيه وعليهما صح ما ذكرته في تقرير المتن الدافع للاعتراض عليه المبني على المرجوح أن القيد للنفي أي انتفاء التغير غالب فلا تعرض فيه لغلبة التغير ولا لعدمها بوجه بل لكون هذا النفي غالبا أو غيره .
ووجه مرجوحية هذا ، وأرجحية الأول لفظا أن العامل القوي ، وهو الفعل أولى بأن يجعل عاملا في المفعول له أي مثلا من العامل الضعيف ، وهو حرف النفي فتقدير ذلك بلا يغلب تغيره أولى منه بما انتفاء تغيره غالب ومعنى أن المتبادر هو انصراف النفي إلى القيد واحتمال عكسه مرجوح بل جعله بعض المحققين كالعدم فجزم بالأول .
ووجه تبادر ذلك أن الغالب في الإثبات والنفي توجههما إلى القيد ألا ترى أنك إذا قلت جئتني راكبا كان المقصود بالإخبار إنما هو كونه راكبا في المجيء لا نفس المجيء فعلى الأرجح يتوجه الإثبات أو النفي للقيد أولا ليفيد إثباته أو نفيه وعلى المرجوح لا يتوجه إليه فيكون قيدا للإثبات أو النفي لا غير فعلى الأول يعتبر القيد أولا ثم الإثبات أو النفي وعلى الثاني بالعكس وبهذا يندفع زعم أن هذا المرجوح هو الأكثر الراجح ، وإلا كان ذكر القيد ضائعا عن غرض ذكره للتقييد بل لغرض آخر كمناقضة من أثبته وكالتعريض كما في الآية فإن الغرض من ذكر الإلحاف فيها التعريض بالملحفين توبيخا لهم .
ووجه اندفاعه منع ما ذكره بقوله ، وإلا إلى آخره وسند المنع أن تقييد المنفي له فوائد وكفى به غرضا في جوازه بل حسنة هذا كله حيث لم يعلم قصد المتكلم فلا ينافي ما تقرر ما قيل كثيرا ما يقصدون نفي المحكوم عليه بانتفاء صفته كما دل عليه السياق أو دليل آخر كقول
امرئ القيس على لاحب لا يهتدى بمناره
لم يرد كما قاله
أبو حيان وغيره إثبات منار انتفى عنه الاهتداء بل نفي المنار من أصله وكقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273لا يسألون الناس إلحافا } لم يرد إثبات السؤال ونفي الإلحاف عنه بل نفي السؤال من أصله بدليل {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273يحسبهم الجاهل } إلى آخره إذ التعفف لا يجامع المسألة ومما له تعلق بما هنا قول
الفخر الرازي نفي الحقيقة مطلقة أعم
[ ص: 267 ] من نفيها مقيدة لإفادة الأول سلبها مع القيد بخلاف الثاني فإن انتفاءها مقيدة بقيد مخصوص لا يستلزمه مع قيد آخر .
( وَ ) عَلَى الْأَظْهَرِ
nindex.php?page=treesubj&link=4464 ( تَكْفِي ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ( الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا ) يُظَنُّ أَنَّهُ ( يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ ) كَأَرْضٍ وَآنِيَةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ نَظَرًا لِغَلَبَةِ بَقَائِهِ عَلَى مَا رَآهُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا حَالَ الْبَيْعِ لِأَوْصَافِهِ الَّتِي رَآهَا
nindex.php?page=treesubj&link=24027كَأَعْمَى اشْتَرَى مَا رَآهُ قَبْلَ الْعَمَى ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ ، وَأَقَرَّهُ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ إنَّهُ غَرِيبٌ أَيْ نَقْلًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا لَا مُدْرَكًا إذْ النِّسْيَانُ يَجْعَلُ مَا سَبَقَ كَالْمَعْدُومِ فَيَفُوتُ شَرْطُ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ فَلَا يُنَافِي تَصْحِيحَ غَيْرِهِ لَهُ وَجَعَلَهُ تَقْيِيدًا لِإِطْلَاقِهِمْ .
وَانْتَصَرَ بَعْضُهُمْ لِتَضْعِيفِهِ بِجَعْلِهِمْ النِّسْيَانَ غَيْرَ دَافِعٍ لِلْحُكْمِ السَّابِقِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=23823_14749أَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ لَمْ يَكُنْ عَزْلًا وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=3474_22767نَسِيَ فَأَكَلَ فِي صَوْمِهِ أَوْ جَامَعَ فِي إحْرَامِهِ لَمْ يَفْسُدْ وَبِأَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=4464_4459رَأَى الْمَبِيعَ ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْهُ وَاشْتَرَاهُ غَافِلًا عَنْ أَوْصَافِهِ صَحَّ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَدَارَ الْعَزْلِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالتَّصَرُّفِ وَبُطْلَانُ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَلَى مَا يُنَافِيهِمَا مِمَّا فِيهِ تَعَدٍّ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَمَدَارُ الْبَيْعِ عَلَى عَدَمِ الْغَرَرِ وَبِالنِّسْيَانِ يَقَعُ فِيهِ
[ ص: 265 ] وَمَا ذَكَرَ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ هُوَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وَبِفَرْضِ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِيهِ مَا ذُكِرَ فَالْغَرَرُ فِيهِ ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ .
وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=24797_23027رَأَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَرَهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ قَرُبَتْ الْمُدَّةُ أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِنَحْوِ اللَّوْنِ فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِعَارِضٍ كَمَا يَأْتِي ، وَإِذَا صَحَّ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا عَمَّا رَآهُ عَلَيْهِ تَخَيَّرَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَتَخَيَّرَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ الْآنَ وَرَضِيَ بِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا صُدِّقَ الْبَائِعُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُودِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ( دُونَ مَا ) يُظَنُّ أَنَّهُ ( يَتَغَيَّرُ غَالِبًا ) لِطُولِ مُدَّةٍ أَوْ لِعُرُوضِ أَمْرٍ آخَرَ كَالْأَطْعِمَةِ الَّتِي يُسْرِعُ فَسَادُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ حِينَئِذٍ بِبَقَائِهِ حَالَ الْعَقْدِ عَلَى أَوْصَافِهِ الْمَرْئِيَّةِ قِيلَ تَنَافَى كَلَامُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ كَالْحَيَوَانِ إذْ قَضِيَّةُ مَفْهُومِ أَوَّلِهِ الْبُطْلَانُ وَآخِرِهِ الصِّحَّةُ وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ كَالْأَوَّلِ بِشَرْطِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَرْئِيِّ بِحَالِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّنَافِي غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي مَنْطُوقِ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَمَفْهُومِ آخِرِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ هُنَا لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ أَيْ مَا لَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ سَوَاءٌ أَغَلَبَ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ أَمْ اسْتَوَيَا دُونَ مَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَنْطُوقِ الْأَوَّلِ وَمَفْهُومِ الثَّانِي فَلَا تَنَافِيَ وَجَعْلُ الْحَيَوَانِ مِثَالًا هُوَ مَا دَرَجُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَمَا وَقَعَ لِصَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ قَسِيمٌ لَهُ وَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيهِ نَظَرٌ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا شَكَّ فِيهِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ أَوْ لَا أُلْحِقَ بِالْمُسْتَوِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ وَجُعِلَ قَسِيمًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ الِاسْتِوَاءُ فَتَأَمَّلْهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَضِيَّةُ إنَاطَتِهِمْ التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ بِالْغَالِبِ لَا بِوُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ لِهَذَا حَتَّى لَوْ غَلَبَ التَّغَيُّرُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْ عَدِمَهُ فَتَغَيَّرَ أَوْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ فَتَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيمَا قَالُوهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ مِنْ الْبُطْلَانِ فِي الْأَوَّلِ
[ ص: 266 ] وَالصِّحَّةِ فِي الْأَخِيرَيْنِ ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْغَلَبَةَ وَعَدَمَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ دُونَ مَا يَطْرَأُ بَعْدَهُ .
( تَنْبِيهٌ آخَرُ مُهِمٌّ جِدًّا ) مَا ذَكَرْته فِي الْقَيْدِ وَالنَّفْيِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ اسْتَنْبَطْتهَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَبَعًا
لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَحَاصِلُهَا أَنَّك إنْ اعْتَبَرْت دُخُولَ النَّفْيِ عَلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ كَانَ نَفْيًا لِذَلِكَ الْقَيْدِ دَائِمًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْقَيْدِ هُنَا لِلنَّفْيِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ دُخُولُهُ عَلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ فَتَمَحَّضَ انْصِرَافُهُ لِلْقَيْدِ لَا غَيْرُ ، وَإِنْ اعْتَبَرْت اشْتِمَالَ الْكَلَامِ عَلَى قَيْدٍ وَنَفْيٍ فَالْأَرْجَحُ الْمُتَبَادَرُ انْصِرَافُ النَّفْيِ إلَى الْقَيْدِ هُنَا أَيْضًا لِيُفِيدَ نَفْيَهُ وَعَلَيْهِمَا صَحَّ مَا ذَكَرْته فِي تَقْرِيرِ الْمَتْنِ الدَّافِعِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّ الْقَيْدَ لِلنَّفْيِ أَيْ انْتِفَاءَ التَّغَيُّرِ غَالِبٌ فَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِغَلَبَةِ التَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهَا بِوَجْهٍ بَلْ لِكَوْنِ هَذَا النَّفْيِ غَالِبًا أَوْ غَيْرَهُ .
وَوَجْهُ مَرْجُوحِيَّةِ هَذَا ، وَأَرْجَحِيَّةِ الْأَوَّلِ لَفْظًا أَنَّ الْعَامِلَ الْقَوِيَّ ، وَهُوَ الْفِعْلُ أَوْلَى بِأَنْ يُجْعَلَ عَامِلًا فِي الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ مَثَلًا مِنْ الْعَامِلِ الضَّعِيفِ ، وَهُوَ حَرْفُ النَّفْيِ فَتَقْدِيرُ ذَلِكَ بِلَا يَغْلِبُ تَغَيُّرُهُ أَوْلَى مِنْهُ بِمَا انْتِفَاءُ تَغَيُّرِهِ غَالِبٌ وَمَعْنَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ هُوَ انْصِرَافُ النَّفْيِ إلَى الْقَيْدِ وَاحْتِمَالُ عَكْسِهِ مَرْجُوحٌ بَلْ جَعَلَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَدَمِ فَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ .
وَوَجْهُ تَبَادُرِ ذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ تَوَجُّهُهُمَا إلَى الْقَيْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت جِئْتنِي رَاكِبًا كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْإِخْبَارِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ رَاكِبًا فِي الْمَجِيءِ لَا نَفْسُ الْمَجِيءِ فَعَلَى الْأَرْجَحِ يَتَوَجَّهُ الْإِثْبَاتُ أَوْ النَّفْيُ لِلْقَيْدِ أَوَّلًا لِيُفِيدَ إثْبَاتَهُ أَوْ نَفْيَهُ وَعَلَى الْمَرْجُوحِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ فَيَكُونُ قَيْدًا لِلْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ لَا غَيْرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ الْقَيْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِثْبَاتُ أَوْ النَّفْيُ وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ زَعْمُ أَنَّ هَذَا الْمَرْجُوحَ هُوَ الْأَكْثَرُ الرَّاجِحُ ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ الْقَيْدِ ضَائِعًا عَنْ غَرَضِ ذِكْرِهِ لِلتَّقْيِيدِ بَلْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَمُنَاقَضَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ وَكَالتَّعْرِيضِ كَمَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ الْإِلْحَافِ فِيهَا التَّعْرِيضُ بِالْمُلْحِفِينَ تَوْبِيخًا لَهُمْ .
وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَنْعُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ، وَإِلَّا إلَى آخِرِهِ وَسَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَنْفِيِّ لَهُ فَوَائِدُ وَكَفَى بِهِ غَرَضًا فِي جَوَازِهِ بَلْ حَسَنَةُ هَذَا كُلِّهِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مَا قِيلَ كَثِيرًا مَا يَقْصِدُونَ نَفْيَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِانْتِفَاءِ صِفَتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَوْ دَلِيلٌ آخَرُ كَقَوْلِ
امْرِئِ الْقِيسِ عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ
لَمْ يُرِدْ كَمَا قَالَهُ
أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ إثْبَاتَ مَنَارٍ انْتَفَى عَنْهُ الِاهْتِدَاءُ بَلْ نَفْيَ الْمَنَارِ مِنْ أَصْلِهِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا } لَمْ يُرِدْ إثْبَاتَ السُّؤَالِ وَنَفْيَ الْإِلْحَافِ عَنْهُ بَلْ نَفْيُ السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ بِدَلِيلِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ } إلَى آخِرِهِ إذْ التَّعَفُّفُ لَا يُجَامِعُ الْمَسْأَلَةَ وَمِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا قَوْلُ
الْفَخْرِ الرَّازِيّ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً أَعَمُّ
[ ص: 267 ] مِنْ نَفْيِهَا مُقَيَّدَةً لِإِفَادَةِ الْأَوَّلِ سَلْبَهَا مَعَ الْقَيْدِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ انْتِفَاءَهَا مُقَيَّدَةً بِقَيْدٍ مَخْصُوصٍ لَا يَسْتَلْزِمُهُ مَعَ قَيْدٍ آخَرَ .