الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا هلك وترك مالا وورثة ، وترك عليه دينا ، فأخذ الغرماء دينهم واقتسم الورثة ما بقي بعد الدين ، ثم أتى قوم فأحيوا على الميت دينا وقد أتلف الورثة جميع ما قبضوا من مال الميت وأعدموا أيكون لهؤلاء الذين أحيوا هذا الدين على الميت أن يتبعوا هؤلاء الغرماء الذين أخذوا حقهم من مال الميت ، والحق الذي أخذه الغرماء الأولون من مال الميت في أيديهم لم يستهلكوه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : ليس لهم أن يتبعوا الغرماء الأولين إذا كان ما أخذه الورثة بعد الدين فيه وفاء لهذا الدين الذي أحيا هؤلاء الآخرون ، لأن دينهم يجعل فيما أخذه الورثة ، ولا يجعل دينهم فيما اقتضى الغرماء من مال الميت ; لأن ههنا فضل مال . وإنما يكون لهؤلاء الذين أحيوا هذا الدين أن يتبعوا الورثة عدماء كانوا أو أملياء وليس لهم غير ذلك .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإن كان ليس فيما أخذ الورثة بعد الدين وفاء بهذا الدين الذي أحيا هؤلاء الغرماء ، رجع هؤلاء الذين أحيوا هذا الدين على الغرماء الأولين بما زاد من دينهم على الذي أخذت الورثة ، فيحاصون الغرماء بما يصير لهم في يد كل واحد من الغرماء بحال ما وصفت لك . وتفسير ذلك ، أنه ينظر إلى هذا الغريم كم كان يدرك أن لو كان حاضرا في محاصتهم فيما في أيديهم وفيما في أيدي الورثة ، فينظر إلى عدد الذي كان يصيبه في محاصته ، ثم ينظر إلى الذي بيد الورثة فيقاص به ، فيتبعهم به ويرجع بما بقي على الغرماء فيأخذه منهم على قدر حصصهم ، يضرب بذلك في نصيبهم ولا يحاص بجميع دينه فيما أخذوا ، ولكن يحاص فيما فسرت لك .

                                                                                                                                                                                      قلت : لم جعل مالك لهؤلاء الغرماء الأولين الذين اقتضوا حقوقهم ما قبضوا دون الغرماء الآخرين الذين أحيوا الدين على الميت إذا كان ورثته قد أتلفوا ما في أيديهم ، وكان فيما بقي في أيدي الورثة وفاء بديون الآخرين ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأنه يقال للغرماء الآخرين : ليس مغيبكم إذا لم يعلم بدينكم مما يمنع به هؤلاء الحضور من قضاء ديونهم ، فلما كان لهم أن يقبضوا ديونهم ، إذا لم يعلموا بكم دونكم ، جاز ذلك لهم دونكم لأنه كان حكم فلا يرد إذا وقع .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية