الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أني اشتريت أرضا من رجل بزرعها قبل أن يبدو صلاح الزرع بمائة دينار . فأتى رجل فاستحق نصف الأرض فطلب الأخذ بالشفعة ، كيف يصنع فيما بينهما في قول مالك ؟ قال : إذا استحق نصف الأرض . بطل البيع في النصف الذي استحقه هذا المستحق فيما بين البائع والمشتري في الأرض وفي الزرع ; لأن نصف الزرع الذي صار [ ص: 235 ] في نصف الأرض التي استحقت ، صار بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه ، فيرجع ذلك النصف من الزرع إلى بائع الأرض ويرد على مشتري الأرض نصف الثمن ; لأن نصف الأرض ونصف الزرع قد بطل البيع فيهما وبقي نصف الزرع ونصف الأرض ، والبيع فيهما صحيح . ثم يبدأ بالشفيع فيخير في الشفعة ، فإن اختار الأخذ بالشفعة كانت له الشفعة في نصف الأرض ، وليس له في نصف الزرع شفعة .

                                                                                                                                                                                      قال : وإن ترك المستحق الشفعة فالمشتري بالخيار إن شاء تماسك بما بقي في يديه من نصف الأرض ونصف الزرع ، ورجع بنصف الثمن الذي استحق . وإن شاء رد ذلك ; لأنه قد استحق منها ما له البال والقدر وعليه قيمة المضرة ، فله أن يرد ذلك إن شاء ويرجع بجميع الثمن . قلت : ولم بدأت الشفيع بالخيار في الأخذ بالشفعة ، والمشتري يقول : أنا لا أريد التماسك وأنا أريد الرد ; لأن ما استحق منها عيب فيها شديد ، فأنا أريد الرد ولا أحب أن يكون للشفيع علي عهدة إذا كان لي أن أرد ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ليس ذلك له وله الشفعة عليه .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في رجل باع من رجل حائطا ، فأتى رجل فاستحق بعض الحائط وأراد أن يأخذ بالشفعة وفيه ثمر لم يبد صلاحه ، كيف يصنع ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : يدفع الشفيع إلى المشتري قيمة ما أنفق في النخل في سقيها وعلاجها وتكون له الثمرة كلها .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وذلك أن بعض المدنيين قالوا : إن الثمرة للمشتري حين لم يدركه الشفيع حتى أبرت النخل ، فقال مالك ما أخبرتك .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : ولو أن رجلا ابتاع أرضا فزرعها فأتى رجل فاستحقها ، لم يكن له من الزرع قليل ولا كثير ، وإنما له كراء مثلها إذا كان زرع الأرض لم يفت ، ولو لم يكن فيها زرع لزرعها المستحق ، ولو كان فيها زرع وقد فاتت زراعة الأرض لم يكن له من كراء الأرض قليل ولا كثير ، وكان بمنزلة ما لو زرعها وهي في يده قبل ذلك لما مضى من السنين . قلت : فإن استحق بعضها وأخذ البقية بالشفعة ، أيكون له فيما أخذ بالشفعة كراء أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أما حقه الذي استحقه فله فيه كراء مثلها على ما وصفت لك . وأما الذي يأخذ بالشفعة فلا كراء له ; لأنه لم تجب له الأرض إلا بعد ما أخذها وقد زرعها صاحبها قبل ذلك . والذي استحق قد كان وجب له قبل الزرع ، فله فيه الكراء على ما وصفت لك ما لم تفت الزراعة .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية