ومن بدع ضلالهم وكفرهم أنهم يسمون هذا توحيدا وحقيقة ، ويزعمون أن كبار العارفين إنما أشاروا في توحيدهم وتحقيقهم إلى ذلك ، ومعلوم أن هذا جامع لكل شرك ، فهو أعظم شركا وأكفر كفرا من كل شرك وكفر .
ومنشأ التلبيس أن المشرك بين شيئين لا بد أن يسوي بينهما في شيء يشركهما فيه ، فيتحدان فيه ، كما قال الكفار :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97إن كنا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم برب العالمين [الشعراء :97 - 98] . فمن
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29437أشرك بالله شمسا أو قمرا أو كوكبا جعله شريك الله في العبادة والإلهية ، فاتحدا في الألوهية والعبادة فهو موحد للقدر المشترك بينهما عنده . ولذلك كل من قاس شيئا بشيء وشبه شيئا بشيء ، فلا بد أن يتحد الفرع والأصل المشبه والمشبه به في معنى يجمعهما ، فهو يشرك فيه توحيد المشترك ، ليس فيه
[ ص: 179 ] توحيد الواحد الذي أشرك به غيره .
وهؤلاء الفرعونية القرامطة لما أشركوا بالله سائر المخلوقات في الألوهية ، وقالوا : إن ذلك الوجود المشترك هو الله وهو المعبود ، صاروا موحدين الوجود المشترك قائلين بأن وحدة الوجود المشترك هي وحدة الله ، وليس هذا توحيد الله الذي أشركوا به خلقه ، وإنما هو توحيد للمشترك بينه وبين خلقه . وكل مشرك في العالم فهو موحد هذا التوحيد الشركي الكفري ، لكن هؤلاء جمعوا كل شرك .
وَمِنْ بِدَعِ ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ هَذَا تَوْحِيدًا وَحَقِيقَةً ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ كِبَارَ الْعَارِفِينَ إِنَّمَا أَشَارُوا فِي تَوْحِيدِهِمْ وَتَحْقِيقِهِمْ إِلَى ذَلِكَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا جَامِعٌ لِكُلِّ شِرْكٍ ، فَهُوَ أَعْظَمُ شِرْكًا وَأَكْفَرُ كُفْرًا مِنْ كُلِّ شِرْكٍ وَكُفْرٍ .
وَمَنْشَأُ التَّلْبِيسِ أَنَّ الْمُشْرِكَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ يُشْرِكُهُمَا فِيهِ ، فَيَتَّحِدَانِ فِيهِ ، كَمَا قَالَ الْكُفَّارُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشُّعَرَاءِ :97 - 98] . فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29437أَشْرَكَ بِاللَّهِ شَمْسًا أَوْ قَمَرًا أَوْ كَوْكَبًا جَعَلَهُ شَرِيكَ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ ، فَاتَّحَدَا فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ . وَلِذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَاسَ شَيْئًا بِشَيْءٍ وَشَبَّهَ شَيْئًا بِشَيْءٍ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَّحِدَ الْفَرْعُ وَالْأَصْلُ الْمُشَبَّهُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ فِي مَعْنًى يَجْمَعُهُمَا ، فَهُوَ يُشْرِكُ فِيهِ تَوْحِيدَ الْمُشْتَرَكِ ، لَيْسَ فِيهِ
[ ص: 179 ] تَوْحِيدُ الْوَاحِدِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ غَيْرَهُ .
وَهَؤُلَاءِ الْفِرْعَوْنِيَّةُ الْقَرَامِطَةُ لَمَّا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْأُلُوهِيَّةِ ، وَقَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ الْوُجُودَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ الْمَعْبُودُ ، صَارُوا مُوَحِّدِينَ الْوُجُودَ الْمُشْتَرَكَ قَائِلِينَ بِأَنَّ وَحْدَةَ الْوُجُودِ الْمُشْتَرَكِ هِيَ وَحْدَةُ اللَّهِ ، وَلَيْسَ هَذَا تَوْحِيدَ اللَّهِ الَّذِي أَشْرَكُوا بِهِ خَلْقَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْحِيدٌ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ . وَكُلُّ مُشْرِكٍ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ هَذَا التَّوْحِيدَ الشَّرِكِيَّ الْكُفْرِيَّ ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ جَمَعُوا كُلَّ شِرْكٍ .