الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومثل ذلك قوله : «الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن صافحه واستلمه فكأنما صافح الله وقبل يمينه » .

فقال لي بعض الحاضرين : فقد روي عن مالك أنه قال في حديث النزول : ينزل أمره .

فقلت : هذا رواه حبيب كاتبه ، وهو كذاب . [ ص: 195 ]

فقال : قد روي من غير طريق حبيب ، من طريق مطرف .

وجواب هذه الرواية المنقولة عن مالك كجواب الرواية المنقولة عن الإمام أحمد في مثل ذلك ، فإنه نقل عنه يوم مناظرته للجهمية أمام الخليفة أنه قال في قوله : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله [البقرة :210] أنه أمره . فقيل : الراوي غلط عليه ، وقيل : إنه قاله على سبيل الإلزام لهم لما احتجوا بمجيء القرآن على [أنه] مخلوق ، فقال لهم : إنما مجيء ثوابه كما قلتم في قوله : وجاء ربك [الفجر :22] : إنه أمره .

وقيل : بل هذه رواية عنه أنه يتأول صفات المجيء والإتيان والنزول ونحو ذلك بمعنى القصد ، ولا يتأول غيرها . وبعضهم [جعلها] رواية مخرجة عنه في بعض أحاديث الصفات التي يجب تأويلها عند هذا القائل ، وهو ابن . . . . . . ، فالكلام في المنقول عن مالك وأحمد سواء .

وهذا إذا كان قولا صحيحا ثابتا عن السلف لم يضرني ، لأني لم أذكر في العقيدة لفظ التأويل نفيا ولا إثباتا ، وإنما قلت : «من غير تحريف » والتفسير الصحيح المأثور عن السلف الذي تقوم عليه الحجة الموجبة لقبوله ليس بتحريف ، بل هو مثل ما ينقل عنهم من تفسير القرآن والحديث . فهذا إذا ثبت ليس مخالفا لما ذكرته .

وقلت للسادة الحاضرين : هل في شيء من هذه الأقوال والكلام [ ص: 196 ] كفر أو فسق ؟ فصرح أكثرهم بأنه ليس فيه كفر ولا فسق ، حتى من كان يكثر النزاع قبل ذلك المجلس ويدعي الكفر اعترف بأنه ليس فيه كفر ولا فسق .

وقال بعضهم : هذا بدعة . فأنكر جمهور الحاضرين عليه هذا القول ، وطلب . . . . . . الجمع بدعة أو أنه من البدع المستحسنة ، وغلظ بعضهم الإنكار لهذا القول .

فقلت : الكتاب والسنة لا يكون بدعة ، إنما البدعة مثل اعتقاد ابن التومرت ونحوه ، والسلف إنما كرهوا الكلام المخالف للكتاب والسنة ، كما قال الشافعي رضي الله عنه : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في القبائل والعشائر ، ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام . فإنما عابوا على من ترك الكتاب والسنة .

فقال بعضهم : قد كره مالك رواية مثل هذا .

قلت : المنقول عن مالك أنه كره لمحمد بن عجلان رواية حديث الصورة ، وقد تكون كراهته مخصوصة خشية ضلال بعض الناس به ، [ ص: 197 ] كما قال [عبد الله بن مسعود] : ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم . وإلا فقد حدث به سائر الأئمة ، وهو في الصحاح . وهذا الحديث ليس في هذا الاعتقاد ، وقد روى مالك في [الموطأ] حديث النزول والضحك .

قلت : وأنا لم أخاطب عامة ولا دعوت أحدا إلى اعتقاد ، وإنما كتبت لبعض القضاة .

وبلغني أنه بعد المجلس أخرج بعضهم حديث عائشة وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » .

وجوابه أن الله ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، لم يذم أهل العلم الذين يقولون : آمنا به كل من عند ربنا ، فالذم يقع [على] المنازع الذي يسأل عن الكيفية ، ويطلب التأويل كما يعلمه المتأولون المخالفون للنص والإجماع ، ويطلب الفتنة بالتشكيك .

التالي السابق


الخدمات العلمية