الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه [الأنعام :38] ، ففيه فائدة زائدة ، وهي أن الطيران قد يستعمل في الخفة وشدة الإسراع في الشيء ، منه قول الشاعر :


فطرنا إلى الهامات بالبيض والقنا

[ ص: 339 ] ومنه بيت الحماسية :


طاروا إليه زرافات ووحدانا



فقوله تعالى : يطير بجناحيه رافع لاحتمال هذا المعنى ، وإرادته بلفظ الطائر ويطير .

وأحسن من هذا أن يقال : إنه لو اقتصر على ذكر الطائر فقال : وما من دابة في الأرض ولا طائر ، لكان ظاهر العطف يوهم «ولا طائر في الأرض » ؛ لأن المعطوف عليه إذا قيد بظرف أو حال تقيد به المعطوف ، فكان ذلك يوهم اختصاصه بطير الأرض الذي لا يطير بجناحيه ، كالدجاج والإوز والبط ونحوها . فلما قال : يطير بجناحيه زال هذا التوهم ، وعلم أنه ليس الطائر مقيدا بما تقيدت به الدابة .

وأيضا ففيه تحقيق معنى الطيران وأن المراد به هذا الجنس الذي يرونه يطير بجناحيه على اختلاف أنواعه وأجناسه أمم أمثالكم .

وهذا استعمال مطروق للعرب ، كما يقال : ما خلق الله إنسانا يمشي على رجليه إلا وهو يعلم بأن له خالقا وفاطرا .

ونحوه قول أبي ذر رضي الله تعالى عنه : «لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 340 ] وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه [علما] » .

وبالجملة فليست اللفظة خالية عن معنى زائد .

وأما قوله تعالى : يقولون بألسنتهم [الفتح :11] ، و كبرت كلمة تخرج من أفواههم [الكهف :5] .

فقد قيل : إنه رافع لتوهم إرادة حديث النفس ، كما في قوله تعالى : ويقولون في أنفسهم [المجادلة :8] .

وأحسن منه أن يقال : حيث ذكر الله سبحانه ويقولون بألسنتهم ويقولون بأفواههم ، فالمراد به أنه قول باللسان مجرد لا معنى تحته ، فإنه باطل ، والباطل لا حقيقة تحته ، وإنما غايته وقصاراه أنه حركة لسان مجرد عن معنى ، فليس وراء حركة اللسان به شيء . [ ص: 341 ]

وهذا استعمال مطرد في القرآن ، فتأمله تجده كما ذكرت لك .

التالي السابق


الخدمات العلمية