الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فكثير من العلماء يقولون : إن السارق لا يغرم ؛ لئلا يجتمع عليه عقوبتان من أن الحد حق لله والمال حق لآدمي . وهذا أولى ، لئلا [ ص: 278 ] يجتمع على المربي عقوبتان : إسقاط ما بقي ، والمطالبة بما أكل . وإن كان عين المال باقيا فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه كالسارق الغاصب ، بل قبضه باتفاقهما ورضاهما بعقد من العقود ، وهو لو كان كافرا ثم أسلم لم يرده ، وقد قال تعالى : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله .

وقد يقال : لا يكون لواحد منهما ، كما لو كان ثمن خمر أو مهر بغي أو حلوان كاهن ، فإن هذا إذا تاب لا يعيده إلى صاحبه ، بل يتصدق به في أظهر قولي العلماء .

وكذلك لو استأجر رجلا لحمل خمر ، نص أحمد على أنه يقضى له بالكراء ولا يأكله ، لأن الحمل عمل مباح فيستحق أجرته ، ولكن لقصد المستأجر لا يأكله . وكذلك لو باع عنبا أو عصيرا ممن يتخذه خمرا ، فإنه يقضى له بالثمن بلا ريب إذا تعذر رد العنب والعصير ، ولا يقول عاقل : إن الذي أخذ العنب وعصره خمرا يعطى مع ذلك الثمن ، لكن غاية ما يقال : إن هذا يتصدق بالثمن .

فإن قيل مثل هذا في الربا قياسا على هذا ، فقد يقال : هنا التحريم لحق الله ، لأن نفس عوض الخمر محرم ، وهناك التحريم لما فيه من ظلم الآدمي ، وإن كان لو رضي به لم يجز ؛ لأنه سفيه في ذلك .

وأيضا ففي رده عليه تسليط لمن يحتال على الناس بأن يأخذها بعقود ربوية فينتفع بها ، ثم يطالبهم بما قبضوه ، وقد انتفع برأس ماله مدة [ ص: 279 ] بغير رضاهم ، فإنهم لم يعطوه قرضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية