الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم من هؤلاء من يباشر النجاسات ، ويأوي إلى القمامين والمراحيض والحمامات ، ومنهم من يعاشر الكلاب والحيات ، وهم مقصرون فيما أمر الله به ورسوله من الطهارة طهارة الحدث والخبث ، ومن قراءة القرآن وتدبر معانيه ، ومعرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ، وقد قال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران :31] ، فأمر من ادعى محبة الله باتباع نبيه ، وضمن لمن اتبع نبيه أن يحبه . وهؤلاء من أبعد الناس عن متابعة الرسول ، وهم بأعداء الله الملحدين أشبه منهم بأوليائه المتقين ، ووصف ما في هؤلاء من العيوب والقبائح لا يتسع له هذا المكتوب .

فمن اعتقد في هؤلاء أنهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين ، فهو من أضل العالمين ، وأبعدهم عن دين الإسلام ، الذي بعث به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولكن التبست أحوالهم على كثير من الناس لما يرونه أحيانا من أحدهم من نوع مكاشفة وتصرف خارج عن العادة ، وهم في ذلك من جنس الكهان والسحرة التي كانت الشياطين تنزل عليهم . قال تعالى : هل أنبئكم على [ ص: 400 ] من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم [الشعراء :221 - 222] .

ولهذا لا يوجد من هؤلاء إلا من هو خارج عن الكتاب والسنة ، وإذا صدق مرة في مكاشفته فلا بد أن يكذب مرة أخرى ، وإن لم يتعمد هو الكذب لكن شيطانه الذي يلقي في قلبه ما يلقي وهو يكذب ، كما كان يجري لمثل عبد الله بن صياد الذي ظن بعض الصحابة أنه الدجال ولم يكن هو الدجال ، ولكن كان من جنس الكهان ، ولهذا لما خبأ له النبي صلى الله عليه وسلم سورة الدخان قال : «قد خبأت لك خبيئا » ، فقال : الدخ الدخ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اخسأ فلن تعدو قدرك » . يريد : أنك من جنس الكهان الذي يقترن بأحدهم شيطان . وقال : «ما ترى ؟ » قال : أرى عرشا على الماء ، وذلك عرش الشيطان . وقال له : «ما يأتيك ؟ » قال : يأتيني صادق وكاذب .

وهؤلاء الذين يقترن بهم الجن في غير ما أمر الله به ورسوله ثلاثة أصناف بحسب قرنائهم من الجن :

فمنهم : من هو كافر وشيطانه كافر ، كاليونسية الذين ينشدون الكفريات ، كقولهم :


تعالوا نخرب الجامع . . . ونجعل فيه خماره [ ص: 401 ]     نخرب خشب المنبر
. . . ونجعل منه طنباره

    ونحرق ورق المصحف
. . . ونجعل منه زماره

    وننتف لحية القاضي
. . . ونجعل منه أوتاره



وقولهم :


وأنا حميت الحمى وأنت سكنت فيه . . .     وأنا تركت الخلائق في بحار التيه


موسى على الطور لما خر لي ناجى . . .     وصاحب يثرب أنا جبتوه حتى جا



وقولهم :


أنت إله وأنا في جانبك رب . . .     خلقك تعذب ، وخلقي ما عليهم ذنب



وأمثال هذه الكفريات .

ومنهم : من يكون جنه فساقا ، كالذين يجتمعون اجتماعا محرما بالنسوان والمردان ، ويتواجدون في سماع المكاء والتصدية الذي يشبه سماع عباد الأوثان ، إذا كانوا مصدقين بتحريم ما حرمه الله ورسوله ، وفعلوا الكبائر مع اعتقاد تحريمها ، فهم فساق .

وصنف ثالث : جهال مبتدعون ، فيهم ديانة ، فيهم زهد وعبادة [ ص: 402 ] وتعظيم لدين محمد صلى الله عليه وسلم ، لا يختارون مخالفته ولا الخروج عن دينه وشريعته ، والتبست عليهم هذه الأحوال الشيطانية ، فظنوها كرامات الأولياء ، وأن من يحصل له من هذه الأحوال يكون من أولياء الله المتقين . ولو أنهم علموا أنها مخالفة لأمر الله ورسوله لم يدخلوا فيها ، لكن جهلوا ذلك ، فهؤلاء ضلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية