[ ص: 181 ] حكاية المناظرة في الواسطية
[ ص: 182 ] [حكاية المناظرة في الواسطية]
الحمد لله رب العالمين . لما كان يوم الاثنين ثامن رجب طلبني نائب السلطان -أيده الله وسدده- بمحضر من القضاة والمفتين والمشايخ ، وسألني عن اعتقادي ، فقلت له :
nindex.php?page=treesubj&link=29613الاعتقاد لا يؤخذ عني ولا عمن هو أكبر مني ، ولكن عن كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة . فقال : أمل علينا اعتقادك . فأمللت جوامع من الاعتقاد ، ثم قلت : إن بعض الناس قد بلغني أنه يكذب في هذا الباب علي ويقول : إنه يكتم بعض الأمر ، فنحن نطلب العقيدة التي كتبتها من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر ، كتبتها لقاض قدم علينا من واسط ، وكان قد ألح علي في ذلك ، فأحلته على ما كتبه الأئمة من العقائد . فقال : أحب أن تكتب أنت ، فكتبت له هذه في قعدة بعد العصر .
وأرسلت من أحضرها ، وقرئت من أولها إلى آخرها ، قرأها غيري كلمة كلمة ، ووقع البحث والسؤال في مواضع منها .
وسألني نائب السلطان هل كتبت إلى
مصر أو غيرها بعقيدة ؟ فقلت له : لم أكتب قط إلى أحد بعقيدة ، ولم أكاتب أحدا بها ، إلا أن ثم مسائل أسأل عنها فأجيب ، والنسخ منها موجودة في دمشق ومصر وغيرها ، لئلا
[ ص: 184 ] يستطيع أحد أن يغير بعض النسخ .
وكان مما وقع سؤال بعض الجماعة عنه أني لما قلت في أولها :
nindex.php?page=treesubj&link=34084_33677_29625_28721_28707_28712«إن أهل السنة يؤمنون بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل » . قال بعضهم : ما التحريف ؟ فقلت : تحريف الكلم عن مواضعه ، كما فعل بعض
الجهمية في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وكلم الله موسى تكليما [النساء :164] ، قال : أي جرحه تجريحا بينابيع الحكمة ، ونحو ذلك من تحريفات القرامطة والباطنية وغيرهم من أهل الأهواء .
ولما جاء الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656929«أن الله يقول يوم القيامة : يا آدم! فيقول : لبيك وسعديك ، فينادي بصوت » ، جرى كلام في مسألة الحرف والصوت . فقلت : هذا الذي يحكيه بعض الناس عن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من أنهم يقولون : إن القرآن هو الحرف والصوت ، وهو أصوات التالين ومداد الصحف ، وهو القديم هذا باطل ، لم يقله
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ولا أحد من علماء أصحابه ، ولا يقوله عاقل . وأحضرت كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره من
nindex.php?page=treesubj&link=28744_29453أئمة السنة أنهم ينكرون على من يقول : إن لفظي بالقرآن غير مخلوق ، كما ينكرون على من يقول : اللفظ بالقرآن مخلوق . فكيف بمن يقول : إن لفظه بالقرآن قديم ، أو يقول : صوته بالقرآن قديم ، أو المداد قديم ؟ وفساد هذا معلوم بالحس .
[ ص: 185 ]
وأنكرت على من ينقل هذا عن العلماء المشهورين في القرآن .
وقرئ ما ذكر في العقيدة في مسألة القرآن من
nindex.php?page=treesubj&link=29453«أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود » ، كما اتفق عليه السلف ، وذكرت لفظا أن الجمع في قولهم : القرآن هو الحرف والصوت أو ليس بحرف ولا صوت كلاهما بدعة حدثت بعد المئة الثالثة ، لم يتكلم الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ولا غيره من الأئمة بهذا التركيب نفيا ولا إثباتا . وذكرت أن لي جوابا من سنين عن هذه المسألة . . . . . . . وأحضرته في المجلس الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28742الله تكلم بالقرآن حقيقة ، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين ، وأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلام الله حقيقة ؛ لأن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا . وذكر بعض الحاضرين أن هذا أول شبهة كانت عندهم ، وأن هذا تخليص لهذا الموضع .
[ ص: 181 ] حِكَايَةُ الْمُنَاظَرَةِ فِي الْوَاسِطِيَّةِ
[ ص: 182 ] [حِكَايَةُ الْمُنَاظَرَةِ فِي الْوَاسِطِيَّةِ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَمَّا كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ رَجَبٍ طَلَبَنِي نَائِبُ السُّلْطَانِ -أَيَّدَهُ اللَّهُ وَسَدَّدَهُ- بِمَحْضَرٍ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالْمَشَايِخِ ، وَسَأَلَنِي عَنِ اعْتِقَادِي ، فَقُلْتُ لَهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29613الِاعْتِقَادُ لَا يُؤْخَذُ عَنِّي وَلَا عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي ، وَلَكِنْ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ . فَقَالَ : أَمْلِ عَلَيْنَا اعْتِقَادَكَ . فَأَمْلَلْتُ جَوَامِعَ مِنَ الِاعْتِقَادِ ، ثُمَّ قُلْتُ : إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَكْذِبُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَيَّ وَيَقُولُ : إِنَّهُ يَكْتُمُ بَعْضَ الْأَمْرِ ، فَنَحْنُ نَطْلُبُ الْعَقِيدَةَ الَّتِي كَتَبْتُهَا مِنْ نَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ قَبْلَ مَجِيءِ التَّتَرِ ، كَتَبْتُهَا لِقَاضٍ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ وَاسِطٍ ، وَكَانَ قَدْ أَلَحَّ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ ، فَأَحَلْتُهُ عَلَى مَا كَتَبَهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ الْعَقَائِدِ . فَقَالَ : أُحِبُّ أَنْ تَكْتُبَ أَنْتَ ، فَكَتَبْتُ لَهُ هَذِهِ فِي قَعْدَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ .
وَأَرْسَلْتُ مَنْ أَحْضَرَهَا ، وَقُرِئَتْ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، قَرَأَهَا غَيْرِي كَلِمَةً كَلِمَةً ، وَوَقَعَ الْبَحْثُ وَالسُّؤَالُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا .
وَسَأَلَنِي نَائِبُ السُّلْطَانِ هَلْ كَتَبْتَ إِلَى
مِصْرَ أَوْ غَيْرِهَا بِعَقِيدَةٍ ؟ فَقُلْتُ لَهُ : لَمْ أَكْتُبْ قَطُّ إِلَى أَحَدٍ بِعَقِيدَةٍ ، وَلَمْ أُكَاتِبْ أَحَدًا بِهَا ، إِلَّا أَنَّ ثُمَّ مَسَائِلَ أُسْأَلُ عَنْهَا فَأُجِيبُ ، وَالنُّسَخُ مِنْهَا مَوْجُودَةٌ فِي دِمَشْقَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا ، لِئَلَّا
[ ص: 184 ] يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ بَعْضَ النُّسَخِ .
وَكَانَ مِمَّا وَقَعَ سُؤَالُ بَعْضِ الْجَمَاعَةِ عَنْهُ أَنِّي لَمَّا قُلْتُ فِي أَوَّلِهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=34084_33677_29625_28721_28707_28712«إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ » . قَالَ بَعْضُهُمْ : مَا التَّحْرِيفُ ؟ فَقُلْتُ : تَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، كَمَا فَعَلَ بَعْضُ
الْجَهْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النِّسَاءِ :164] ، قَالَ : أَيْ جَرَحَهُ تَجْرِيحًا بِيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ .
وَلَمَّا جَاءَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656929«أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا آدَمُ! فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ » ، جَرَى كَلَامٌ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ . فَقُلْتُ : هَذَا الَّذِي يَحْكِيهِ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْحَرْفُ وَالصَّوْتُ ، وَهُوَ أَصْوَاتُ التَّالِّينَ وَمِدَادُ الصُّحُفِ ، وَهُوَ الْقَدِيمُ هَذَا بَاطِلٌ ، لَمْ يَقُلْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِهِ ، وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ . وَأَحْضَرْتُ كَلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28744_29453أَئِمَّةِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ : إِنَّ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، كَمَا يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ : اللَّفْظُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ . فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ : إِنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ قَدِيمٌ ، أَوْ يَقُولُ : صَوْتُهُ بِالْقُرْآنِ قَدِيمٌ ، أَوِ الْمِدَادُ قَدِيمٌ ؟ وَفَسَادُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ .
[ ص: 185 ]
وَأَنْكَرْتُ عَلَى مَنْ يَنْقُلُ هَذَا عَنِ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْقُرْآنِ .
وَقُرِئَ مَا ذُكِرَ فِي الْعَقِيدَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29453«أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ » ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ ، وَذَكَرْتُ لَفْظًا أَنَّ الْجَمْعَ فِي قَوْلِهِمْ : الْقُرْآنُ هُوَ الْحَرْفُ وَالصَّوْتُ أَوْ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ كِلَاهُمَا بِدْعَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْمِئَةِ الثَّالِثَةِ ، لَمْ يَتَكَلَّمِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا التَّرْكِيبِ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا . وَذَكَرْتُ أَنَّ لِي جَوَابًا مِنْ سِنِينَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . . . . . . . وَأَحْضَرْتُهُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28742اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ حَقِيقَةً ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا لَا إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا . وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ شُبْهَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُمْ ، وَأَنَّ هَذَا تَخْلِيصٌ لِهَذَا الْمَوْضِعِ .