وقلت أيضا : أنا أمهل من خالفني ثلاث سنين ، فإن جاء بحرف واحد ثابت عن القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم يناقض حرفا مما قلته وذكرته عنهم رجعت عن ذلك .
وقال بعضهم : هذا اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل . [ ص: 193 ]
فقلت : هذا اعتقاد جميع سلف الأمة وأهل الحديث ومن سلك سبيلهم من أتباع الأئمة الأربعة ومشايخ الصوفية وعلماء المتكلمين ، وإنما الإمام أحمد بلغ العلم الذي جاء به الرسول ، واتبع سبيل من سبقه من الأئمة ، ولو جاء أحد بشيء مخالف لذلك لم يقبل . وأما المتأخرون فمنهم من يوافق السلف ، ومنهم من يخالف السلف .
وقلت : من أنكر من ذلك شيئا فليكتب خطه بما ينكره ، ولينقل ذلك عن سلف الأمة ، ويذكر مستنده ، أو ليكتب عقيدة تناقض هذه ، وتعرض الثنتان على سلطان المسلمين .
وقال لي بعض الحاضرين -وقد أحضر كتاب الأسماء والصفات للحافظ أبي بكر البيهقي- : هذا قد ذكر فيه عن بعض السلف تأويل صفة الوجه .
فقلت : لعلك تعني قوله : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة :115] .
فقال : نعم ، قد ذكر عن مجاهد والشافعي أنها قبلة الله .
فقلت : هذا صحيح ، وليست هذه من آيات الصفات ، بل سياق الكلام يدل على المقصود حيث قال : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ، أي فثم جهة الله ، فإن الوجه والجهة والوجهة في مثل [ ص: 194 ] هذا بمعنى واحد ، كما قال : ولكل وجهة هو موليها [البقرة :148] أي يستقبلها . ويقال : أي وجه تريد ؟ أي أي ناحية تريد . فقوله : أينما تولوا ، أي أينما تتولوا أي تتوجهوا وتستقبلوا فثم جهة الله أي قبلة الله . وهذا ظاهر الكلام الذي يدل عليه سياقه ، وقد يغلط بعض الناس فيدخل في الصفات ما ليس منها ، كما يغلط بعض الناس فيجعل من التأويل المخالف للظاهر ما هو ظاهر اللفظ ، كما في هذه الآية ونحوها .


