وأما الكفار فخوطبوا بها من جهة ما هي تنعم ولذة وسرور ، ولم تسم في حقهم نعمة على الخصوص ، وإنما تسمى نعمة باعتبار أنها نعمة في حق عموم بني آدم ، لأن المؤمن سعد بها في الدنيا والآخرة ، والكافر تنعم بها في الدنيا   . 
وذلك أن كفر الكافر نعمة في حق المؤمنين ، فإنه لولا وجود الكفر والفسوق والعصيان ، ولولا وجود شياطين الإنس والجن ، لم يحصل للمؤمنين من بغض هذه الأمور ومعاداتها ومجاهدة أهلها ومخالفة الهوى فيها ، ما ينالون به علي الدرجات وعظيم الثواب . والإنسان فيه قوة الحب وقوة البغض ، وسعادته في أن يحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله ، فإن لم يكن في العالم ما يبغضه ويجاهد أصحابه لم يتم إيمانه وجهاده ، وقد قال تعالى : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا  [ ص: 241 ] بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون   [الحجرات :15] . 
قالوا : ولو كانت هذه اللذات نعما مطلقا لكانت نعمة الله على أعدائه في الدنيا أعظم من نعمته على أوليائه ، ونعمة الله التي بدلوها كفرا هي إنزال الكتاب وإرسال الرسول ، حيث كفروا بها وجحدوا أنها حق ، كما قال  علي  رضي الله عنه : هما الأفجران من قريش   . 
وكذلك قوله : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله   [النحل :112] ، هم الذين كفروا بما أنزله الله من الكتاب وبالرسل ، وتلك نعمة الله العظيمة ، كما قال تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، أليس الله بأعلم بالشاكرين   [الأنعام :53] ، وقال تعالى : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين   [آل عمران :144] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					