[ ص: 269 ] فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=32396آية الربا [ ص: 270 ] فصل في آية الربا
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم [البقرة :275 - 280] .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فله ما سلف أي : مما كان قبضه من الربا جعله له .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأمره إلى الله قد قيل : الضمير يعود إلى الشخص ، وقيل : إلى «ما » ، وبكل حال فالآية تقتضي أن أمره إلى الله ، لا إلى الغريم الذي عليه الدين ، بخلاف الباقي فإن للغريم أن يطلب إسقاطه ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ، أي : ذروا ما بقي من الربا في ذمم الغرماء ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس [ ص: 272 ] أموالكم أي : رأس المال من غير زيادة . فقد أمرهم بترك الزيادة وهي الربا ، فيسقط عن ذمة الغريم ولا يطالب بها ، وهذه للغريم فيها حق الامتناع من أدائها والمخاصمة على ذلك وإبطال الحجة المكتتبة بها .
وأما ما كان قبضه فقد قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فله ما سلف وأمره إلى الله ، فاقتضى أن السالف له للقابض ، وأن أمره إلى الله وحده لا شريك له ، ليس للغريم فيه أمر . وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبة عليه إلى الله ، وهذا قد انتهى في الظاهر ، فله ما سلف ، وأمره إلى الله ، إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له ، وإلا عاقبه .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فأمر بترك الباقي ، ولم يأمر برد المقبوض .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ، لا يشترط منها ما قبض . وهذا الحكم ثابت في حق الكافر
nindex.php?page=treesubj&link=5421_19720_26215إذا عامل كافرا بالربا ، وأسلما بعد القبض وتحاكما إلينا ، فإن ما قبضه يحكم له به كسائر ما قبضه الكفار بالعقود التي يعتقدون حلها ، كما لو باع خمرا وقبض ثمنها ، ثم أسلم ، فإن ذلك يحل له ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=35487«من أسلم على شيء فهو له » .
[ ص: 273 ]
وأما [المسلم] فله ثلاثة أحوال :
تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد أو تقليد .
وتارة يعامل بجهل ، ولا يعلم أن ذلك ربا محرم .
وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم .
أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم ، قيل : يرد ما قبض كالغاصب ، وقيل : لا يرده ، وهو الأصح ؛ لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال ، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه مثل الحيل الربوية ، فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر له ما استحله ويباح له ما قبضه ، فالمسلم المتأول إذا تاب يغفر له ما استحله ويباح له ما قبضه ؛ لأن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك ، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله .
[ ص: 269 ] فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32396آيَةِ الرِّبَا [ ص: 270 ] فَصْلٌ فِي آيَةِ الرِّبَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعُ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنَ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهُ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تَظْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ :275 - 280] .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَلَهُ مَا سَلَفَ أَيْ : مِمَّا كَانَ قَبَضَهُ مِنَ الرِّبَا جَعَلَهُ لَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ قَدْ قِيلَ : الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الشَّخْصِ ، وَقِيلَ : إِلَى «مَا » ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ ، لَا إِلَى الْغَرِيمِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، بِخِلَافِ الْبَاقِي فَإِنَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَطْلُبَ إِسْقَاطَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ، أَيْ : ذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ [ ص: 272 ] أَمْوَالِكُمْ أَيْ : رَأْسُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ . فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ الرِّبَا ، فَيَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا ، وَهَذِهِ لِلْغَرِيمِ فِيهَا حَقُّ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَائِهَا وَالْمُخَاصَمَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِبْطَالِ الْحُجَّةِ الْمُكْتَتَبَةِ بِهَا .
وَأَمَّا مَا كَانَ قَبَضَهُ فَقَدْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَاقْتَضَى أَنَّ السَّالِفَ لَهُ لِلْقَابِضِ ، وَأَنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَيْسَ لِلْغَرِيمِ فِيهِ أَمْرٌ . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى كَانَ مَغْفِرَةُ ذَلِكَ الذَّنْبِ وَالْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ إِلَى اللَّهِ ، وَهَذَا قَدِ انْتَهَى فِي الظَّاهِرِ ، فَلَهُ مَا سَلَفَ ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ عَلِمَ مِنْ قَلْبِهِ صِحَّةَ التَّوْبَةِ غَفَرَ لَهُ ، وَإِلَّا عَاقَبَهُ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَأَمَرَ بِتَرْكِ الْبَاقِي ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ الْمَقْبُوضِ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ، لَا يُشْتَرَطُ مِنْهَا مَا قَبَضَ . وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ
nindex.php?page=treesubj&link=5421_19720_26215إِذَا عَامَلَ كَافِرًا بِالرِّبَا ، وَأَسْلَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَحَاكَمَا إِلَيْنَا ، فَإِنَّ مَا قَبَضَهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ كَسَائِرِ مَا قَبَضَهُ الْكُفَّارُ بِالْعُقُودِ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ حِلَّهَا ، كَمَا لَوْ بَاعَ خَمْرًا وَقَبَضَ ثَمَنَهَا ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ لَهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=35487«مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ » .
[ ص: 273 ]
وَأَمَّا [الْمُسْلِمُ] فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ :
تَارَةً يَعْتَقِدُ حِلَّ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ .
وَتَارَةً يُعَامِلُ بِجَهْلٍ ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ .
وَتَارَةً يَقْبِضُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ .
أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَفِيهِ قَوْلَانِ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّ ذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ ، قِيلَ : يَرُدُّ مَا قَبَضَ كَالْغَاصِبِ ، وَقِيلَ : لَا يَرُدُّهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ حَلَالٌ ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إِذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ مِثْلَ الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ ، فَإِذَا كَانَ الْكَافِرُ إِذَا تَابَ يُغْفَرُ لَهُ مَا اسْتَحَلَّهُ وَيُبَاحُ لَهُ مَا قَبَضَهُ ، فَالْمُسْلِمُ الْمُتَأَوِّلُ إِذَا تَابَ يُغْفَرُ لَهُ مَا اسْتَحَلَّهُ وَيُبَاحُ لَهُ مَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَابَ أَوْلَى أَنْ يُغْفَرَ لَهُ إِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ بِأَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ ذَلِكَ ، فَهُوَ فِي تَأْوِيلِهِ أَعْذَرُ مِنَ الْكَافِرِ فِي تَأْوِيلِهِ .