وأما قوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=29030_28914_28905هو الله الخالق البارئ المصور [الحشر :24] ، فليس بتكرار ، بل هي معان متغايرة بينهما قدر مشترك ، وبيانه أن الإيجاد يتعلق بالمادة وبالصورة وبمجموعهما ، فإن تعلق بالمادة فهو برؤه ، ولا يقال للمصور : إنه بارئ باعتبار تصويره ، وإنما البارئ من برأ الشيء من العدم إلى الوجود ، وإن تعلق بالصورة فهو تصوير ، ويقال
[ ص: 350 ] لفاعله : المصور ، والخالق ينظمهما معا ، فالبارئ للمادة ، والمصور للصور ، والخالق لهما جميعا ، فأين التكرار ؟
وأما قوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28914_28905_28987وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين [النحل :51] ، فليس للتكرار والتأكيد المحض ، وليس الموضع موضع تأكيد ، بل لما كان النهي واقعا على التعديد والاثنينية دون الواحد أتى بلفظ الاثنين .
لأن قولك : لا تتخذ ثوبين ، يحتمل النهي عنهما جميعا ، ويحتمل النهي عن الاقتصار عليهما . فإذا قلت : ثوبين اثنين ، علم المخاطب أنك نهيته عن التعدد والاثنينية دون الواحد ، وأنك إنما أردت منه الاقتصار على ثوب واحد .
فتوجه النهي إلى نفس التعدد والعدد ، فأتى باللفظ الموضوع له الدال عليه ، فكأنه قال : لا تعدد الآلهة ولا تتخذ عددا تعبد ، إنما هو إله واحد فلا تضم إليه غيره وتجعلهما اثنين ، فلا تكرار إذن .
وفيه معنى آخر ، وهو أن تكون «اتخذ » هذه هي التي تتعدى إلى مفعولين ، ويكون اثنين مفعولها الأول ، وإلهين مفعولها الثاني ، وأصل الكلام : لا تتخذوا [اثنين] إلهين ، ثم قدم المفعول الثاني على الأول ، ويدل على التقديم والتأخير أن إلهين أخص من اثنين ، واتخاذ اثنين يقع على ما يجوز وما لا يجوز ، وأما اتخاذ اثنين إلهين فلا يقع إلا على ما لا يجوز ، وقدم إلهين على اثنين إذ المقصود بالنهي اتخاذهما إلهين ،
[ ص: 351 ] فالنهي وقع على نفس الإلهية المتخذة ، وعلى هذا فلا بد من ذكر الاثنين والإلهين إذ هما مفعولا الاتخاذ ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما قوله سبحانه وتعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=62وإن الله لهو العزيز الحكيم [آل عمران :62] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إنك لأنت الحليم الرشيد [هود :87] ، فهذه فائدة ظاهرة ، وله فائدتان لفظية ومعنوية :
أما اللفظية : فصيانة الخبر عن التباسه بالتابع الصفة وعطف البيان ، هذا عند جمهور النحاة ، ونازعهم في ذلك بعض المتأخرين .
وأما المعنوية : فهي إفادة انحصار الخبر في المبتدأ ، فإذا قلت : زيد هو القائم ، كان في قولك : هو القائم ، وحده لا غيره ؛ ولهذا يقع في جواب من يقول : زيد وعمرو فاضلان ، فتقول : زيد هو الفاضل .
وتأمل قول قوم
شعيب له عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إنك لأنت الحليم الرشيد ، تجده مفهما إنك لأنت الحليم الرشيد وحدك دوننا ، ولسنا نحن بحلماء ولا راشدين .
وكذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=62وإن الله لهو العزيز الحكيم ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة :118] .
وفيه فائدة ثالثة : وهي تحقيق نسبة الخبر إلى ذلك المبتدأ بعينه ، كقول إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام له لما عرفهم نفسه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90أإنك لأنت يوسف حقا ؟ فذاك الذي فعلنا به ما فعلنا أنت هو يقينا ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90قال أنا [ ص: 352 ] يوسف [يوسف :90] .
ونظير هذا : إنك أنت فلان ؟ فيقول : نعم أنا فلان .
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=29030_28914_28905هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الْحَشْرِ :24] ، فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ ، بَلْ هِيَ مَعَانٍ مُتَغَايِرَةٌ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْإِيجَادَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَادَّةِ وَبِالصُّورَةِ وَبِمَجْمُوعِهِمَا ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمَادَّةِ فَهُوَ بُرْؤُهُ ، وَلَا يُقَالُ لِلْمُصَوِّرِ : إِنَّهُ بَارِئٌ بِاعْتِبَارِ تَصْوِيرِهِ ، وَإِنَّمَا الْبَارِئُ مَنْ بَرَأَ الشَّيْءَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصُّورَةِ فَهُوَ تَصْوِيرٌ ، وَيُقَالُ
[ ص: 350 ] لِفَاعِلِهِ : الْمُصَوِّرُ ، وَالْخَالِقُ يَنْظِمُهُمَا مَعًا ، فَالْبَارِئُ لِلْمَادَّةِ ، وَالْمُصَوِّرُ لِلصُّوَرِ ، وَالْخَالِقُ لَهُمَا جَمِيعًا ، فَأَيْنَ التَّكْرَارُ ؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=51nindex.php?page=treesubj&link=28914_28905_28987وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ [النَّحْلِ :51] ، فَلَيْسَ لِلتَّكْرَارِ وَالتَّأْكِيدِ الْمَحْضِ ، وَلَيْسَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ تَأْكِيدٍ ، بَلْ لَمَّا كَانَ النَّهْيُ وَاقِعًا عَلَى التَّعْدِيدِ وَالِاثْنِينِيَّةِ دُونَ الْوَاحِدِ أَتَى بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ .
لِأَنَّ قَوْلَكَ : لَا تَتَّخِذْ ثَوْبَيْنِ ، يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْهُمَا جَمِيعًا ، وَيَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِمَا . فَإِذَا قُلْتَ : ثَوْبَيْنِ اثْنَيْنِ ، عَلِمَ الْمُخَاطَبُ أَنَّكَ نَهَيْتَهُ عَنِ التَّعَدُّدِ وَالِاثْنِينِيَّةِ دُونَ الْوَاحِدِ ، وَأَنَّكَ إِنَّمَا أَرَدْتَ مِنْهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ .
فَتَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَى نَفْسِ التَّعَدُّدِ وَالْعَدَدِ ، فَأَتَى بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ الدَّالِّ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا تُعَدِّدِ الْآلِهَةَ وَلَا تَتَّخِذْ عَدَدًا تُعْبَدُ ، إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَا تَضُمَّ إِلَيْهِ غَيْرَهُ وَتَجْعَلْهُمَا اثْنَيْنِ ، فَلَا تَكْرَارَ إِذَنْ .
وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ «اتَّخَذَ » هَذِهِ هِيَ الَّتِي تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَيَكُونُ اثْنَيْنِ مَفْعُولَهَا الْأَوَّلَ ، وَإِلَهَيْنِ مَفْعُولَهَا الثَّانِيَ ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ : لَا تَتَّخِذُوا [اثْنَيْنِ] إِلَهَيْنِ ، ثُمَّ قَدَّمَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَنَّ إِلَهَيْنِ أَخَصُّ مِنَ اثْنَيْنِ ، وَاتِّخَاذُ اثْنَيْنِ يَقَعُ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا اتِّخَاذُ اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ ، وَقَدَّمَ إِلَهَيْنِ عَلَى اثْنَيْنِ إِذِ الْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ اتِّخَاذُهُمَا إِلَهَيْنِ ،
[ ص: 351 ] فَالنَّهْيُ وَقَعَ عَلَى نَفْسِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُتَّخَذَةِ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاثْنَيْنِ وَالْإِلَهَيْنِ إِذْ هُمَا مَفْعُولَا الِاتِّخَاذِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=62وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آلِ عِمْرَانَ :62] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هُودٍ :87] ، فَهَذِهِ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَلَهُ فَائِدَتَانِ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ :
أَمَّا اللَّفْظِيَّةُ : فَصِيَانَةُ الْخَبَرِ عَنِ الْتِبَاسِهِ بِالتَّابِعِ الصِّفَةِ وَعَطْفِ الْبَيَانِ ، هَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ ، وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيَّةُ : فَهِيَ إِفَادَةُ انْحِصَارِ الْخَبَرِ فِي الْمُبْتَدَأِ ، فَإِذَا قُلْتَ : زَيْدٌ هُوَ الْقَائِمُ ، كَانَ فِي قَوْلِكَ : هُوَ الْقَائِمُ ، وَحْدَهُ لَا غَيْرُهُ ؛ وَلِهَذَا يَقَعُ فِي جَوَابِ مَنْ يَقُولُ : زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَاضِلَانِ ، فَتَقُولُ : زَيْدٌ هُوَ الْفَاضِلُ .
وَتَأَمَّلْ قَوْلَ قَوْمِ
شُعَيْبٍ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=87إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ، تَجِدُهُ مُفْهِمًا إِنَّكَ لَأَنَّتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ وَحْدَكَ دُونَنَا ، وَلَسْنَا نَحْنُ بِحُلَمَاءَ وَلَا رَاشِدِينَ .
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=62وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الْمَائِدَةِ :118] .
وَفِيهِ فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ : وَهِيَ تَحْقِيقُ نِسْبَةِ الْخَبَرِ إِلَى ذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ بِعَيْنِهِ ، كَقَوْلِ إِخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ لَمَّا عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ حَقًّا ؟ فَذَاكَ الَّذِي فَعَلْنَا بِهِ مَا فَعَلْنَا أَنْتَ هُوَ يَقِينًا ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=90قَالَ أَنَا [ ص: 352 ] يُوسُفُ [يُوسُفَ :90] .
وَنَظِيرُ هَذَا : إِنَّكَ أَنْتَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَنَا فُلَانٌ .