وأما استثناء الله قوم يونس فهو حجة في المسألة ، فإن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98nindex.php?page=treesubj&link=29674_31975_28981فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي [يونس :98] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إلا قوم يونس استثناء منقطع ، وهم قد سلموا أنه منقطع ، ودليل ذلك أنه منصوب ، ولو كان مثبتا لكان مرفوعا في اللغة المشهورة ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء :66] ، فلما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إلا قوم يونس كان منقطعا ، كالاستثناء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم [هود :116] ، فإنه منقطع . وكذلك أهل العربية والتفسير قالوا : هو استثناء منقطع ، والمعنى : لكن قليلا ممن أنجينا
[ ص: 371 ] منهم من نهى عن الفساد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل : لم يكن من القرون من ينهى عن المعاصي والشرك ، إلا قليلا ممن أنجينا من العذاب مع الرسل .
ومما يبين ذلك أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا بمعنى فهلا ، وهي كلمة تحضيض على المذكور وذم لمن لم يفعله ، والمعنى : فهلا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ؟ كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض [هود :116] ، أي لم لا كان فيهم من ينهى وفي القرى من آمن فنفعه إيمانه ؟ وهذا يقتضي أن أهل القرى لو آمنوا لنفعهم إيمانهم كما نفع قوم
يونس ، لكن لم يؤمنوا . وعلى ما قاله المنازعون يكون معنى الآية : ما آمنت قرية فنفعها إيمانها إلا قوم
يونس ، أو ما آمن أحد عند رؤية العذاب فنفعه إيمانه إلا قوم
يونس . فبهذا فسروا القرآن ، وليس هذا مراد الله ، فإن الله لم يخبرنا أن غير قوم يونس آمنوا وما نفعهم إيمانهم ، وأن الإيمان لم ينفع إلا قوم
يونس . بل مقصوده أنه لم يؤمن وينتفع بإيمانه من أهل القرى إلا قوم يونس .
وأيضا فإن هذا المعنى يقال فيه : فما قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس بصيغة النفي والسلب ، لا يقال : فهلا كانت قرية آمنت بصيغة التحضيض والطلب والاستدعاء والتوبيخ والملام على ترك الإيمان ،
[ ص: 372 ] فإن هذه الصيغة أصل وضعها هو للتحضيض لا للنفي ، ولهذا قد يفعل المحضوض عليه بعد التحضيض ، كما يفعل بعد الأمر ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=20ويقول الذين آمنوا لولا نزلت [محمد :20] ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=20فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم [محمد :20] ، فأين هذا من هذا ؟ أين إخباره بأنهم آمنوا ولم ينفعهم إيمانهم من كونه وبخهم وذمهم على أنهم لم يؤمنوا فينتفعوا بالإيمان ؟
ولهذا كان الاستثناء بعده منقطعا ، ولو كان نفيا وسلبا لكان الاستثناء معه متصلا ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء :66] ، فلما قطع الاستثناء ونصب المستثنى علم أنه استثناء من نفي وسلب ، لكن الكلام تحضيض ، فلو اتصل الاستثناء لكان المعنى تحضيضهم على الإيمان إلا قوم
يونس ، وتحضيضهم على النهي عن الفساد إلا القليل . وهذا يوجب قلب المعنى ، فإن الله يحض الجميع على الإيمان وعلى النهي عن الفساد ، لكن لما ذكر صيغة للحض العام بين أن هؤلاء وهؤلاء فعلوا ما حضوا عليه ، فلا يتناولهم الذم ، فإن الاستثناء المنقطع قد يكون من الجنس المشترك بين المستثنى والمستثنى منه ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157ما لهم به من علم إلا اتباع الظن [النساء :157] ، فاتباع الظن مستثنى من المعنى العام المشترك بين العلم والظن ، وهو الاعتقاد ، فإنه لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157ما لهم به من علم بقيت النفس تطلب : فهل عندهم شيء من الاعتقاد ؟
[ ص: 373 ] فيقال : ما عندهم إلا اتباع الظن .
وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى [الدخان :56] ، فإنه استثناء من المعنى المشترك بين الجنة والدنيا ، فلما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يذوقون فيها الموت بقيت النفس تطلب : هل ذاقوه في غيرها ؟ فقال : لم يذوقوا إلا الموتة الأولى . وكذلك نظائره .
وقد يكون أخص من المستثنى منه ، فلما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية [هود :116] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها [يونس :98] ، كان هذا تحضيضا للجمع ، والتحضيض أمر مؤكد يقتضي ذم من لم يفعل المأمور وعقابه ، ونفس الحض والأمر لا يستلزم الخبر ، فإن المأمور لم يفعل ما أمر به ، بل قد يفعله وقد لا يفعله ، وإذا لم يفعله استحق الذم والتوبيخ . وقد يكون في المحضوضين من فعل ، فلما ذكر التحضيض والفاعل مستثنى من التوبيخ لا مستثنى من الحض ، فلو قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66إلا قليل و
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إلا قوم يونس لكان هذا استثناء من التحضيض ، وليس كذلك ، وإنما هو استثناء من أخص منه وهو التوبيخ ونفي الفعل ، فإنه لما حض الجميع كأنه قيل : فكلهم لم ينه ، وكلهم يستحقون الذم والتوبيخ ، فيقال : نعم إلا قوم يونس ، وإلا قليلا .
ومما يبين أن مثل هذا التحضيض لا يستلزم النفي عن الجميع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=16ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان [ ص: 374 ] عظيم [النور :16] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين [النور :12] . وقد كان من المؤمنين من قال لما سمعه : ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا ، سبحانك هذا بهتان عظيم . وكثير منهم أو أكثرهم ظن
nindex.php?page=showalam&ids=25بعائشة خيرا ، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد وجاريتها وغيرهما ممن زكاها وبرأها . فعلم أن التحضيض لا يستلزم النفي العام .
فلهذا كان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية [هود :116] ، التحضيض فيه عام لم يستثن منه أحد ، فلم يكن الاستثناء متصلا ، ولكن الاستثناء وقع من ترك المحضوض عليه ولوازم الترك ، من الذم والتوبيخ ، وهذا الترك قد كان في أكثر المحضوضين ، وقد صار يفهم منه أن هذه الصيغة لم تستعمل إلا إذا حصل ترك من جميع المحضوضين أو من بعضهم . فإذا فر الجيش مثلا قيل : هلا ثبتم ؟! وإذا فر الأكثر قيل : يستحقون العقوبة إلا فلانا ، ولا يقال : هلا ثبتم إلا فلان ؟! فإنه تحضيض على الثبات إلا لفلان ، وهذا ليس بمراد ، بل هو مستثنى من الترك وسلب الفعل والذم والعقاب ، لا من شمول الطلب والحض له . والله أعلم .
ثم يقال : هو مستثنى من القدر المشترك بين أنواع الحض والأمر ، حض وأمر لمن فعل ولمن ترك . وقد يقال مستثنى مما هو أخص من الحض ، وهو الترك والذم ، وكلا الأمرين واحد . والله أعلم .
ومثل هذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك [هود :81]
[ ص: 375 ] فمن رفع جعلها مستثناة من النهي ، فلم تنه عن الالتفات لأنها من المعذبين . ومن نصبه جعله منقطعا ، فإنه لما نهاهم عن الالتفات ، والالتفات موجب للعقوبة ، فقد يكون منهم من لا يطيع فيعاقب ، ومنهم من لا يعاقب ، فكأنه قال : فهل تطيع وتسلم ؟ فقال : نعم إلا امرأتك . وقيل : إنها استثناء من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81فأسر بأهلك ، وقد ذكروا الوجهين في قراءة النصب ، وهي قراءة نافع وغيره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : على قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع يكون الاستثناء منقطعا ، معناه : لكن امرأتك فإنها تلتفت ، فيصيبها ما أصابهم . فإذا كان الاستثناء منقطعا كان التفاتها معصية لربها ؛ لأنه ندب إلى ترك الالتفات .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : من قرأ بالنصب فالمعنى : فأسر بأهلك إلا امرأتك . ومن قرأ بالرفع حمله : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ، وإنما أمروا بترك الالتفات لئلا يروا عظيم ما نزل بهم من العذاب .
فإن قيل : فإذا جعل الاستثناء منقطعا تكون منهية عن الالتفات ، وعلى قراءة نافع ليست منهية ، والقراءتان لا تتناقضان .
قيل : الالتفات نوعان : نوع يكون مع محبة المعذبين ، كالتفاتها . ونوع يكون مع بغضهم ، كالتفات لوط لو التفت .
[ ص: 376 ]
فنهوا عن الالتفات لئلا يروا عظيم العذاب ، فيحصل لهم روع وفزع . فكلهم منهيون عن النوع الأول ، وهي عاصية التفتت التفات محبة ، فكان الاستثناء في حقها منقطعا . وأما الثاني فهم نهوا عنه ، وهي لم تنه عن هذا الالتفات الذي هو مع البغض ، ليسلم صاحبه من الفزع والروع ، بل لو التفتت مع البغض لم تكن عاصية وإن حصل لها روع ، ولكن لما التفتت وهي محبة لهم على دينهم -والمرء على دين خليله- أصابها ما أصابهم ، لمشاركتها لهم في الذنب ، لا لمجرد الالتفات لو خلا عن دين القوم . ولهذا لو التفت لوط أو إحدى ابنتيه لم يصبه ما أصابهم . فهذا من دقائق معاني القرآن .
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي القولين ، قال :
وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ اللَّهِ قَوْمَ يُونُسَ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98nindex.php?page=treesubj&link=29674_31975_28981فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ [يُونُسَ :98] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إِلا قَوْمَ يُونُسَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ، وَهُمْ قَدْ سَلَّمُوا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ ، وَلَوْ كَانَ مُثْبَتًا لَكَانَ مَرْفُوعًا فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ :66] ، فَلَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إِلا قَوْمَ يُونُسَ كَانَ مُنْقَطِعًا ، كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنَ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هُودٍ :116] ، فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ . وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالتَّفْسِيرِ قَالُوا : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ، وَالْمَعْنَى : لَكِنَّ قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا
[ ص: 371 ] مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنِ الْفَسَادِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17132مُقَاتِلٌ : لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ يَنْهَى عَنِ الْمَعَاصِي وَالشِّرْكِ ، إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنَ الْعَذَابِ مَعَ الرُّسُلِ .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلا بِمَعْنَى فَهَلَّا ، وَهِيَ كَلِمَةُ تَحْضِيضٍ عَلَى الْمَذْكُورِ وَذَمٍّ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَالْمَعْنَى : فَهَلَّا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ؟ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنَ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ [هُودٍ :116] ، أَيْ لِمَ لَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَنْهَى وَفِي الْقُرَى مَنْ آمَنَ فَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ ؟ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى لَوْ آمَنُوا لَنَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ كَمَا نَفَعَ قَوْمَ
يُونُسَ ، لَكِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُنَازِعُونَ يَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ : مَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ ، أَوْ مَا آمَنَ أَحَدٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَذَابِ فَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ . فَبِهَذَا فَسَّرُوا الْقُرْآنَ ، وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُخْبِرْنَا أَنَّ غَيْرَ قَوْمِ يُونُسَ آمَنُوا وَمَا نَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَنْفَعْ إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ . بَلْ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ وَيَنْتَفِعْ بِإِيمَانِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى إِلَّا قَوْمُ يُونُسَ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ فِيهِ : فَمَا قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَالسَّلْبِ ، لَا يُقَالُ : فَهَلَّا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِصِيغَةِ التَّحْضِيضِ وَالطَّلَبِ وَالِاسْتِدْعَاءِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْمَلَامِ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ ،
[ ص: 372 ] فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ أَصْلُ وَضْعِهَا هُوَ لِلتَّحْضِيضِ لَا لِلنَّفْيِ ، وَلِهَذَا قَدْ يُفْعَلُ الْمَحْضُوضُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّحْضِيضِ ، كَمَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْأَمْرِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=20وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ [مُحَمَّدٍ :20] ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=20فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ [مُحَمَّدٍ :20] ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا ؟ أَيْنَ إِخْبَارُهُ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانُهُمْ مِنْ كَوْنِهِ وَبَّخَهُمْ وَذَمَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَيَنْتَفِعُوا بِالْإِيمَانِ ؟
وَلِهَذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهُ مُنْقَطِعًا ، وَلَوْ كَانَ نَفْيًا وَسَلْبًا لَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعَهُ مُتَّصِلًا ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ :66] ، فَلَمَّا قُطِعَ الِاسْتِثْنَاءُ وَنُصِبَ الْمُسْتَثْنَى عُلِمَ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ نَفْيٍ وَسَلْبٍ ، لَكِنَّ الْكَلَامَ تَحْضِيضٌ ، فَلَوِ اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ الْمَعْنَى تَحْضِيضَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ ، وَتَحْضِيضَهُمْ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْفَسَادِ إِلَّا الْقَلِيلَ . وَهَذَا يُوجِبُ قَلْبَ الْمَعْنَى ، فَإِنَّ اللَّهَ يَحُضُّ الْجَمِيعَ عَلَى الْإِيمَانِ وَعَلَى النَّهْيِ عَنِ الْفَسَادِ ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ صِيغَةً لِلْحَضِّ الْعَامِّ بَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فَعَلُوا مَا حُضُّوا عَلَيْهِ ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُمُ الذَّمُّ ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْجِنْسِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النِّسَاءِ :157] ، فَاتِّبَاعِ الظَّنِّ مُسْتَثْنًى مِنَ الْمَعْنَى الْعَامِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ بَقِيَتِ النَّفْسُ تَطْلُبُ : فَهَلْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الِاعْتِقَادِ ؟
[ ص: 373 ] فَيُقَالُ : مَا عِنْدَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعُ الظَّنِّ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى [الدُّخَانِ :56] ، فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالدُّنْيَا ، فَلَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=56لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ بَقِيَتِ النَّفْسُ تَطْلُبُ : هَلْ ذَاقُوهُ فِي غَيْرِهَا ؟ فَقَالَ : لَمْ يَذُوقُوا إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى . وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ .
وَقَدْ يَكُونُ أَخَصَّ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَلَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنَ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ [هُودٍ :116] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا [يُونُسَ :98] ، كَانَ هَذَا تَحْضِيضًا لِلْجَمْعِ ، وَالتَّحْضِيضُ أَمْرٌ مُؤَكَّدٌ يَقْتَضِي ذَمَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلِ الْمَأْمُورَ وَعِقَابَهُ ، وَنَفْسُ الْحَضِّ وَالْأَمْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَبَرَ ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ ، بَلْ قَدْ يَفْعَلُهُ وَقَدْ لَا يَفْعَلُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَالتَّوْبِيخَ . وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَحْضُوضِينَ مَنْ فَعَلَ ، فَلَمَّا ذَكَرَ التَّحْضِيضَ وَالْفَاعِلُ مُسْتَثْنَى مِنَ التَّوْبِيخِ لَا مُسْتَثْنَى مِنَ الْحَضِّ ، فَلَوْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66إِلا قَلِيلٌ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=98إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَكَانَ هَذَا اسْتِثْنَاءً مِنَ التَّحْضِيضِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَخَصَّ مِنْهُ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَنَفْيُ الْفِعْلِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَضَّ الْجَمِيعَ كَأَنَّهُ قِيلَ : فَكُلُّهُمْ لَمْ يُنْهَ ، وَكُلُّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الذَّمَّ وَالتَّوْبِيخَ ، فَيُقَالُ : نَعَمْ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ، وَإِلَّا قَلِيلًا .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّحْضِيضِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّفْيَ عَنِ الْجَمِيعِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=16وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ [ ص: 374 ] عَظِيمٌ [النُّورِ :16] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النُّورِ :12] . وَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ قَالَ لَمَّا سَمِعَهُ : مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنَّ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ ظَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25بِعَائِشَةَ خَيْرًا ، مِثْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَارِيَتِهَا وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ زَكَّاهَا وَبَرَّأَهَا . فَعُلِمَ أَنَّ التَّحْضِيضَ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّفْيَ الْعَامَّ .
فَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنَ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ [هُودٍ :116] ، التَّحْضِيضُ فِيهِ عَامٌّ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْهُ أَحَدٌ ، فَلَمْ يَكُنِ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا ، وَلَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ مِنْ تَرْكِ الْمَحْضُوضِ عَلَيْهِ وَلَوَازِمِ التَّرْكِ ، مِنَ الذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ ، وَهَذَا التَّرْكُ قَدْ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْمَحْضُوضِينَ ، وَقَدْ صَارَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إِلَّا إِذَا حَصَلَ تَرْكٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَحْضُوضِينَ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ . فَإِذَا فَرَّ الْجَيْشُ مَثَلًا قِيلَ : هَلَّا ثَبَتُّمْ ؟! وَإِذَا فَرَّ الْأَكْثَرُ قِيلَ : يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَةَ إِلَّا فُلَانًا ، وَلَا يُقَالُ : هَلَّا ثَبَتُّمْ إِلَّا فُلَانٌ ؟! فَإِنَّهُ تَحْضِيضٌ عَلَى الثَّبَاتِ إِلَّا لِفُلَانٍ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ ، بَلْ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ التَّرْكِ وَسَلْبِ الْفِعْلِ وَالذَّمِّ وَالْعِقَابِ ، لَا مِنْ شُمُولِ الطَّلَبِ وَالْحَضِّ لَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ يُقَالُ : هُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْحَضِّ وَالْأَمْرُ ، حَضٌّ وَأَمْرٌ لِمَنْ فَعَلَ وَلِمَنْ تَرَكَ . وَقَدْ يُقَالُ مُسْتَثْنًى مِمَّا هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْحَضِّ ، وَهُوَ التَّرْكُ وَالذَّمُّ ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ [هُودٍ :81]
[ ص: 375 ] فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهَا مُسْتَثْنَاةً مِنَ النَّهْيِ ، فَلَمْ تُنْهَ عَنِ الِالْتِفَاتِ لِأَنَّهَا مِنَ الْمُعَذَّبِينَ . وَمَنْ نَصَبَهُ جَعَلَهُ مُنْقَطِعًا ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنِ الِالْتِفَاتِ ، وَالِالْتِفَاتُ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُطِيعُ فَيُعَاقَبُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُعَاقَبُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَهَلْ تُطِيعُ وَتُسْلِمُ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ إِلَّا امْرَأَتَكَ . وَقِيلَ : إِنَّهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ، وَقَدْ ذَكَرُوا الْوَجْهَيْنِ فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : عَلَى قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٍ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا ، مَعْنَاهُ : لَكِنَّ امْرَأَتَكَ فَإِنَّهَا تَلْتَفِتُ ، فَيُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ . فَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا كَانَ الْتِفَاتُهَا مَعْصِيَةً لِرَبِّهَا ؛ لِأَنَّهُ نَدَبَ إِلَى تَرْكِ الِالْتِفَاتِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ فَالْمَعْنَى : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ . وَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ حَمَلَهُ : وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ ، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِتَرْكِ الِالْتِفَاتِ لِئَلَّا يَرَوْا عَظِيمَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا جُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا تَكُونُ مَنْهِيَّةً عَنِ الِالْتِفَاتِ ، وَعَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ لَيْسَتْ مَنْهِيَّةً ، وَالْقِرَاءَتَانِ لَا تَتَنَاقَضَانِ .
قِيلَ : الِالْتِفَاتُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يَكُونُ مَعَ مَحَبَّةِ الْمُعَذَّبِينَ ، كَالْتِفَاتِهَا . وَنَوْعٌ يَكُونُ مَعَ بُغْضِهِمْ ، كَالْتِفَاتِ لُوطٍ لَوِ الْتَفَتَ .
[ ص: 376 ]
فَنُهُوا عَنِ الِالْتِفَاتِ لِئَلَّا يَرَوْا عَظِيمَ الْعَذَابِ ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ رَوْعٌ وَفَزَعٌ . فَكُلُّهُمْ مَنْهِيُّونَ عَنِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ، وَهِيَ عَاصِيَةٌ الْتَفَتَتِ الْتِفَاتَ مَحَبَّةٍ ، فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي حَقِّهَا مُنْقَطِعًا . وَأَمَّا الثَّانِي فَهُمْ نُهُوا عَنْهُ ، وَهِيَ لَمْ تُنْهَ عَنْ هَذَا الِالْتِفَاتِ الَّذِي هُوَ مَعَ الْبُغْضِ ، لِيَسْلَمَ صَاحِبُهُ مِنَ الْفَزَعِ وَالرَّوْعِ ، بَلْ لَوِ الْتَفَتَتْ مَعَ الْبُغْضِ لَمْ تَكُنْ عَاصِيَةً وَإِنْ حَصَلَ لَهَا رَوْعٌ ، وَلَكِنْ لَمَّا الْتَفَتَتْ وَهِيَ مُحِبَّةٌ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ -وَالْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ- أَصَابَهَا مَا أَصَابَهُمْ ، لِمُشَارَكَتِهَا لَهُمْ فِي الذَّنْبِ ، لَا لِمُجَرَّدِ الِالْتِفَاتِ لَوْ خَلَا عَنْ دِينِ الْقَوْمِ . وَلِهَذَا لَوِ الْتَفَتَ لُوطٌ أَوْ إِحْدَى ابْنَتَيْهِ لَمْ يُصِبْهُ مَا أَصَابَهُمْ . فَهَذَا مِنْ دَقَائِقِ مَعَانِي الْقُرْآنِ .
وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْقَوْلَيْنِ ، قَالَ :