فصل
وقد دلت الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32482_19721كل من آمن وتاب بعد نزول العذاب نفعه إيمانه ، وأما من لم يتب أو تاب توبة كاذبة فهذا لا ينفعه . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19727التوبة عند [ ص: 381 ] حضور الموت فهي كالتوبة يوم القيامة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار [النساء :18] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=86كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=87أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=88خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=89إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=90إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به [آل عمران :86 - 91] . وقد فسروا ازديادهم كفرا بأنهم أصروا عليه إلى الموت ، فلن تقبل توبتهم عند الموت ، وذلك -والله أعلم- لأنه حين الموت وقع مبادئ الجزاء ، فلم يكن ثم زمن يتسع لأن يرجعوا عن السيئات ، فتنقص أو تذهب ، بل حصلت بالإصرار في زيادة بلا نقصان . ولو تاب أحدهم قبل الموت لم يكونوا قد ازدادوا كفرا ، بل ذهب الأصل والزيادة ، فإنهم بدلوا السيئات بالحسنات ، وأما عند الموت فقد ازدادوا بالإصرار ، ولم يكن هناك وقت يذهب ، لا هذا ولا هذا .
فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137ثم ازدادوا في معنى قوله : واستمروا على كفرهم وأصروا على كفرهم ، ونظيرها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم [ ص: 382 ] آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا [النساء :137] ، فهنا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137لم يكن الله ليغفر لهم ، وهناك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=90لن تقبل توبتهم ، فإنه لو آمن ثم كفر ثم آمن وتاب من ردته قبلت توبته كما تقدم ، فإن كفر وارتد مرة ثانية حبط الإيمان الذي غفر به ذلك الكفر ، فيبقى عليه إثم الكفر الأول والثاني ، فإذا ازداد كفرا فأصر إلى الموت لم يغفر له . وقد ذكر في أول السورة الذي ازداد كفرا بعد الكفر الأول ، فذكر الكفر الأول والمكرر إذا حصل معهما ازدياد ، ولما قال هناك : لم تقبل توبتهم عند الموت كان هذا تنبيها على أن الثاني لا تقبل توبته بطريق الأولى . ولما ذكر في الثاني أنهم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ، كان مفهومه أنهم لو تابوا قبل الارتداد لقبلت توبتهم وإن كرروا الكفر . فدل على أن قوله في الأولى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137ازدادوا أراد به الإصرار ، فإنه لو لم يرد به الإصرار لكان من كفر بعد إيمانه وبقي مدة ثم تاب لم تقبل توبته ، وهذا خلاف قوله قبل ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=89إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم [آل عمران :89] ، وخلاف مفهوم آية التكرير ، ولو كان كل مرتد بقي مدة لا تقبل توبته لم يحتج إلى التكرير .
فإن قيل : ازدياد الكفر أن يأتي مع الردة بزيادة في الكفر يغلظ به الكفر ، فتكون ردته مغلظة ، كردة مقيس بن صبابة وعبد الله بن خطل
[ ص: 383 ] اللذين أهدر دمهما يوم الفتح .
قيل : هذا من مسائل الاجتهاد ، والكلام فيه مبسوط في غير هذا الموضع . والذين أتاهم العذاب وبقي زمنا حتى ماتوا ، كقوم
نوح لما شرع الماء يزيد لو تابوا كما تاب قوم يونس لقبل الله توبتهم ، لكن لم يتوبوا . وكذلك قوم عاد لما رأوا السحاب فقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24هذا عارض ممطرنا [الأحقاف :24] ، فهبت الريح سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، لم يتوبوا . وكذلك قوم صالح لما عقروا الناقة قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب [هود :65] لم يتوبوا .
فإن قيل : فقد قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=157فعقروها فأصبحوا نادمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=158فأخذهم العذاب [الشعراء :157 - 158] .
قيل : وقد قال عن أحد ابني آدم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31فأصبح من النادمين [المائدة :31] ، ولم يكن هذا ندم توبة ، كذلك أولئك قالوا : وقد يقال : كانوا موعودين بالعذاب إذا عقروها ، وعذاب الدنيا لا يندفع بمثل هذه التوبة ، فإن قوم
موسى لما تابوا من عبادة العجل كانت توبتهم بقتل خلق كثير منهم . وكذلك لما سألوا الرؤية جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم لم يتوبوا إلا خوفا من عذاب الدنيا .
أو يقال : كانت توبتهم من جنس توبة آل فرعون ، إذا جاءهم العذاب
[ ص: 384 ] تابوا ، فإذا رفع نكثوا التوبة . فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=157نادمين لا يدل على توبة صادقة ثابتة .
وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=11وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=12فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=13لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=14قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=15فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين [الأنبياء :11 - 15] . فهو لم يذكر عنهم توبة ، ولكن إخبارهم بأنهم ظالمون ، والكفار والعصاة معترفون أنهم ظالمون مع الإصرار ، وإبليس معترف أنه عاص لربه مع إصراره ،
وفرعون كان يعلم أن
موسى صادق مع إصراره ، ومجرد العلم بأنه مذنب ليس توبة ، إنما
nindex.php?page=treesubj&link=19704التوبة رجوع القلب عن الذنب إلى الله تعالى وطاعته .
وكذلك قوم شعيب لما أخذتهم الظلة لم يتوبوا ، وكذلك قوم لوط لما جاءهم العذاب لم يتوبوا .
nindex.php?page=treesubj&link=32482_32478_31917والتوبة عند نزول العذاب كثيرا ما تكون غير صادقة ، بل يتوب إلى أن ينكشف ، ثم يعود ، كتوبة آل فرعون باللسان من غير عمل بموجبها ، بل مع الكذب .
فَصْلٌ
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32482_19721كُلَّ مَنْ آمَنَ وَتَابَ بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ نَفَعَهُ إِيمَانُهُ ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتُبْ أَوْ تَابَ تَوْبَةً كَاذِبَةً فَهَذَا لَا يَنْفَعُهُ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19727التَّوْبَةُ عِنْدَ [ ص: 381 ] حُضُورِ الْمَوْتِ فَهِيَ كَالتَّوْبَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النِّسَاءِ :18] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=86كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=87أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=88خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=89إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=90إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [آلِ عِمْرَانَ :86 - 91] . وَقَدْ فَسَّرُوا ازْدِيَادَهُمْ كُفْرًا بِأَنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَيْهِ إِلَى الْمَوْتِ ، فَلَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَذَلِكَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ وَقَعَ مَبَادِئُ الْجَزَاءِ ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ زَمَنٌ يَتَّسِعُ لِأَنْ يَرْجِعُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ ، فَتَنْقُصُ أَوْ تَذْهَبُ ، بَلْ حَصَلَتْ بِالْإِصْرَارِ فِي زِيَادَةٍ بِلَا نُقْصَانٍ . وَلَوْ تَابَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُونُوا قَدِ ازْدَادُوا كُفْرًا ، بَلْ ذَهَبَ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ ، فَإِنَّهُمْ بَدَّلُوا السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَدِ ازْدَادُوا بِالْإِصْرَارِ ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَقْتٌ يَذْهَبُ ، لَا هَذَا وَلَا هَذَا .
فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137ثُمَّ ازْدَادُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : وَاسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَأَصَرُّوا عَلَى كَفْرِهِمْ ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ [ ص: 382 ] آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا [النِّسَاءِ :137] ، فَهُنَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ، وَهُنَاكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=90لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ، فَإِنَّهُ لَوْ آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ آمَنَ وَتَابَ مِنْ رِدَّتِهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ كَفَرَ وَارْتَدَّ مَرَّةً ثَانِيَةً حَبِطَ الْإِيمَانُ الَّذِي غُفِرَ بِهِ ذَلِكَ الْكُفْرُ ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ إِثْمُ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، فَإِذَا ازْدَادَ كُفْرًا فَأَصَرَّ إِلَى الْمَوْتِ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ . وَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ الَّذِي ازْدَادَ كُفْرًا بَعْدَ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ ، فَذَكَرَ الْكُفْرَ الْأَوَّلَ وَالْمُكَرَّرَ إِذَا حَصَلَ مَعَهُمَا ازْدِيَادٌ ، وَلَمَّا قَالَ هُنَاكَ : لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الثَّانِي أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ، كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ تَابُوا قَبْلَ الِارْتِدَادِ لَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ وَإِنْ كَرَّرُوا الْكُفْرَ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأُولَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137ازْدَادُوا أَرَادَ بِهِ الْإِصْرَارَ ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْإِصْرَارُ لَكَانَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=89إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آلِ عِمْرَانَ :89] ، وَخِلَافُ مَفْهُومِ آيَةِ التَّكْرِيرِ ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُرْتَدٍّ بَقِيَ مُدَّةً لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّكْرِيرِ .
فَإِنْ قِيلَ : ازْدِيَادُ الْكُفْرِ أَنْ يَأْتِيَ مَعَ الرِّدَّةِ بِزِيَادَةٍ فِي الْكُفْرِ يُغَلِّظُ بِهِ الْكُفْرَ ، فَتَكُونُ رِدَّتُهُ مُغَلَّظَةً ، كَرِدَّةِ مِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ
[ ص: 383 ] اللَّذَيْنِ أُهْدِرَ دَمُهُمَا يَوْمَ الْفَتْحِ .
قِيلَ : هَذَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالَّذِينَ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ وَبَقِيَ زَمَنًا حَتَّى مَاتُوا ، كَقَوْمِ
نُوحٍ لَمَّا شَرَعَ الْمَاءُ يَزِيدُ لَوْ تَابُوا كَمَا تَابَ قَوْمُ يُونُسَ لَقَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ ، لَكِنْ لَمْ يَتُوبُوا . وَكَذَلِكَ قَوْمُ عَادٍ لَمَّا رَأَوُا السَّحَابَ فَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الْأَحْقَافِ :24] ، فَهَبَّتِ الرِّيحُ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ، لَمْ يَتُوبُوا . وَكَذَلِكَ قَوْمُ صَالِحٍ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هُودٍ :65] لَمْ يَتُوبُوا .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=157فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=158فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ [الشُّعَرَاءِ :157 - 158] .
قِيلَ : وَقَدْ قَالَ عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [الْمَائِدَةِ :31] ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَدَمَ تَوْبَةٍ ، كَذَلِكَ أُولَئِكَ قَالُوا : وَقَدْ يُقَالُ : كَانُوا مَوْعُودِينَ بِالْعَذَابِ إِذَا عَقَرُوهَا ، وَعَذَابُ الدُّنْيَا لَا يَنْدَفِعُ بِمِثْلِ هَذِهِ التَّوْبَةِ ، فَإِنَّ قَوْمَ
مُوسَى لَمَّا تَابُوا مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ كَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِقَتْلِ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْهُمْ . وَكَذَلِكَ لَمَّا سَأَلُوا الرُّؤْيَةَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ لَمْ يَتُوبُوا إِلَّا خَوْفًا مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا .
أَوْ يُقَالُ : كَانَتْ تَوْبَتُهُمْ مِنْ جِنْسِ تَوْبَةِ آلِ فِرْعَوْنَ ، إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ
[ ص: 384 ] تَابُوا ، فَإِذَا رُفِعَ نَكَثُوا التَّوْبَةَ . فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=157نَادِمِينَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَوْبَةٍ صَادِقَةٍ ثَابِتَةٍ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=11وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=12فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=13لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=14قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=15فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الْأَنْبِيَاءِ :11 - 15] . فَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُمْ تَوْبَةً ، وَلَكِنْ إِخْبَارُهُمْ بِأَنَّهُمْ ظَالِمُونَ ، وَالْكُفَّارُ وَالْعُصَاةُ مُعْتَرِفُونَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ مَعَ الْإِصْرَارِ ، وَإِبْلِيسُ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ عَاصٍ لِرَبِّهِ مَعَ إِصْرَارِهِ ،
وَفِرْعَوْنُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ
مُوسَى صَادِقٌ مَعَ إِصْرَارِهِ ، وَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُذْنِبٌ لَيْسَ تَوْبَةً ، إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=19704التَّوْبَةُ رُجُوعُ الْقَلْبِ عَنِ الذَّنْبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتُهُ .
وَكَذَلِكَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لَمَّا أَخَذَتْهُمُ الظُّلَّةُ لَمْ يَتُوبُوا ، وَكَذَلِكَ قَوْمُ لُوطٍ لَمَّا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ لَمْ يَتُوبُوا .
nindex.php?page=treesubj&link=32482_32478_31917وَالتَّوْبَةُ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ كَثِيرًا مَا تَكُونُ غَيْرَ صَادِقَةٍ ، بَلْ يَتُوبُ إِلَى أَنْ يَنْكَشِفَ ، ثُمَّ يَعُودُ ، كَتَوْبَةِ آلِ فِرْعَوْنَ بِاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بِمُوجِبِهَا ، بَلْ مَعَ الْكَذِبِ .