وقد تنازع العلماء فيما إذا صلى باجتهاده فترك ما هو واجب عند المأموم ، أو فعل ما هو محرم عند المأموم  ، كالشافعي والحنبلي على قول ، فصلى خلف المالكي الذي لا يقرأ البسملة ، أو المالكي والشافعي إذا خرج منه دم ولم يتوضأ ، فصلى خلفه حنفي أو حنبلي يرى الوضوء من ذلك ، [وأمثال] هذه المسائل . فهذا إذا تيقنه المأموم ففي صلاته قولان مشهوران للعلماء ، والنزاع في ذلك في مذهب  الشافعي   وأحمد   وأبي حنيفة   . وأما مذهب  مالك  فما أعلم فيه نزاعا أنه يصح الصلاة خلفه . وهذا هو الصحيح المشهور عن  أحمد  في مسائل الاجتهاد التي تعارضت فيها النصوص . وكذلك  الشافعي  ، وقد ثبت عنه أنه كان يصلي خلف المالكية ، وهو يعلم أنهم لا يقرأون البسملة ،  وأبو يوسف  صلى خلف  هارون الرشيد  ، وقد احتجم وأفتاه  مالك  أنه لا يتوضأ . 
وقد دل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه  [ ص: 445 ] قال : «يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم »  . فصرح أن الإمام إذا أخطأ كان خطؤه عليه دون المأموم . وغاية هذه المسائل أن يكون الإمام فيها مخطئا ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه عليه دون المأموم . 
وبهذا يظهر الجواب عن قولهم : «إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام ، فإذا علم بطلان صلاته كانت صلاته خلفه كالصلاة خلف من لا صلاة له ، كالمحدث المتعمد الصلاة مع حدثه » . فإن هذا القياس خطأ وذلك أن المأموم يعلم أن الإمام مجتهد ، إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر ، وخطؤه مغفور له ، وإذا كان يعلم أنه لا إثم عليه فممتنع أن يعتقد بطلان صلاته . وإن كان هو يرى بطلان صلاة نفسه ، كما أنه لو فعل ما يعلم تحريمه أو ما يرى وجوبه ، قدح ذلك في دينه وعدله ، ولو فعل ذلك من هو مجتهد يسوغ له الاجتهاد لم يقدح ذلك في دينه وعدله . 
				
						
						
