فصل 
حديث  حكيم بن حزام  المتفق عليه لما قال له : «يا حكيم  ، إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان الذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى » ، قال حكيم   : فقلت : يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا . فكان  أبو بكر  يدعو حكيما ليعطيه العطاء ، فيأبى أن يقبل منه شيئا ، ثم إن  عمر  دعاه ليعطيه ، فيأبى أن يقبله ، فقال : يا معشر المسلمين -وفي رواية : إني أشهدكم يا معشر المسلمين- إني أعرض على حكيم  حقه الذي قسم الله له في هذا الفيء ، فيأبى أن يأخذه . فلم يرزأ أحدا من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم . 
قلت : هذا نص في جواز عدم الأخذ إذا عرض على الرجل المال وإن كان حقه ، كمال الفيء   . وقد سئل  أحمد  مرة عن الحجة في الرد ، فلم يحضره إذ ذاك من السنة ، مع كثرة رده . 
وقوله : «لا أرزأ » معناه : لا أنقص أحدا ، وهو تنبيه على أن الأخذ ينقص الناس ما في أيديهم ، فيتركه كاملا لهم . ولا ريب أن أخذ المال وصرفه في مواضعه خير من تركه حيث لا ينفع  ، لما في الأول من  [ ص: 20 ] الصدقة والزكاة التي هي من أفضل العمل ونفع الناس التي لا تقوم مصلحتهم بدونه ، وتطهيرهم والأخذ من أموالهم ، كما قال : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها   [التوبة :103] . بل هذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، فإنهم كانوا يأخذون الصدقة من الأغنياء ، فيدفعونها إلى الفقراء ، وما كان مشروعا لم يختص بالأئمة كله ، إلا إذا كانوا منهم ، لكن يشرع لغيرهم حيث يشرع لهم بشروطه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					