فصل 
احتج بعض المبطلين في جواز السجود لغير الله من الملوك والشيوخ والوالدين بثلاث حجج   : 
أحدها : أنه سجود تحية وذلة ومسكنة ، لا سجود عبادة ، ولهذا يسمونه تقبيل الأرض ، فإن ذلك يشترط له شروط الصلاة . 
الثاني : أنه وإن كان في الصورة سجودا للبشر فهو في المعنى سجود لله الذي خلقه وأحياه وأقامه ، كما قد قيل في قوله : والشمس وضحاها   [الشمس :1] : إنه قسم برب الشمس . وهو بمنزلة السجود إلى الكعبة . 
الثالث : أن العبد فقير يحتاج إلى الله ، والكائنات قائمة بالله ، أو هي الله على زعم هذا المبطل ، فإنه من الاتحادية القائلين بوحدة الوجود ، فينبغي له أن يخضع لكل شيء مستعينا به مستمدا منه . 
فانظر إلى هؤلاء الكفار الضالين ، بينما أحدهم يزعم أنه هو الله وأنه ما ثم غيره ، ويصعد فوق الأنبياء والصديقين ، إذ جعل يخضع لكل موجود من الكفار والمنافقين والكلاب والخنازير وغير ذلك إذا صحح دليله وطرد علته ، وإلا بطلت ، وتمسك بسجود الملائكة لآدم  ويعقوب  وبنيه  [ ص: 25 ] ليوسف  ، وزعم على زندقته أن الملائكة هي القوى الروحانية ، وإبليس والشياطين هي الأحكام الطبيعية ، والإنسان هو الجامع الذي سجدت له القوى جميعها . 
وبطلان هذا الكلام ظاهر ، بل كفر صاحبه ظاهر ، فإن نصوص السنة وإجماع الأمة تحرم السجود لغير الله في شريعتنا تحية أو عبادة  ، كنهيه لمعاذ بن جبل أن يسجد لما قدم من الشام وسجد له سجود تحية ، وأخبر بها عن رؤساء النصارى ، وقوله : «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها » . بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيام أصحابه في الصلاة خلفه ، وقال : «لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا » ، رواه  مسلم   . ونهى عن الانحناء وقت التحية  ؛ لأنه ركوع ، وهو دون السجود .  [ ص: 26 ] 
وأما تفريقه بينه وبين سجود الصلاة فلا يفيده ، لأن الجنس المأمور به يشترط له شروط ، وأما المنهي عنه فينهى عنه بكل حال ، فإن عبادة الله وطاعته تفعل على وجه . . . ألا ترى أنه يحرم السجود للشمس والقمر والطواغيت إلى الكعبة وغيرها بوضوء وغير وضوء  ؛ لأن النهي يعم كل ما يسمى سجودا . ثم السجود الواجب لله يشترط له شروط يكون بها أخص ، بل العبادة الواجبة لله يشترط لها شروط شرعية ، والعبادة لغيره محرمة على كل حال . 
وهذا باب واسع ، فإن الجنس المنقسم إلى مأمور به ومنهي عنه يختص المأمور به بقيود وشروط ، ويعم المنهي عنه كل ما دخل في اللفظ أو المعنى . ولهذا اعتبرنا ذلك في كتاب الأيمان أيضا ، ففرقنا بين الفعل إذا حلف ليفعلنه أو إذا حلف لا يفعله . 
وأما الثاني والثالث فهذيان ، بل كفر صريح مخالف للعقل والدين . وقصة آدم  ويعقوب  منسوخ بشرعنا ، وتفسير الملائكة والشياطين بما ذكر قرمطة وزندقة معروفة من الفلاسفة .  [ ص: 27 ] 
				
						
						
