وأما العقاب فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ص : 85] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=90هل تجزون إلا ما كنتم تعملون [النمل :90] . وقد قررت في غير هذا الموضع
nindex.php?page=treesubj&link=30483_30433أن النار لا يدخلها طفل ولا مجنون إلا بعد أن يعصي الله ولو في عرصات القيامة ، كما جاء في
[ ص: 61 ] الأحاديث .
ومن هذا الباب
nindex.php?page=treesubj&link=30394_30404أن الجنة يبقى فيها فضل ، فينشئ الله لها أقواما يدخلهم الجنة بفضل رحمته ، وأما النار فإنه يضيقها على من فيها من الجنة والناس أجمعين .
الوجه الخامس . . .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28847المقادير فإن التفاوت في الحسنات والسيئات يقع من ثلاثة أوجه :
أحدها : العمل المباشر ، وإن لم يرتب عليه في الظاهر أمر مصلحة ولا مفسدة ، بل كان أثره في نفس صاحبه .
الثاني : ما تولد عن العمل من المصالح والمفاسد ، وإن كان العمل قليلا .
الثالث : من مجموع الأمرين .
فالأول كما ذكرناه من تأثير النيات والعزائم الصادقة .
والثاني كقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب [ ص: 62 ] ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=121ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون [التوبة :120 - 121] . فذكر في الآية الأولى أنه يكتب لهم بما تولد عن عملهم عمل صالح ، وذكر في الثانية أن نفس العمل والإنفاق يكتب لهم . ولهذا كان الصواب أن العمل المتولد ليس هو خارجا عن فعل العبد وقدرته بكل حال ، كما يقوله طائفة من متكلمي أهل الإثبات ، ولا هو أيضا فعلا للعبد محضا ، كما يقوله المعتزلة ، بل هو مشترك بين العبد الذي فعل سببه وبين السبب الخارج المعين على تمامه . فالعبد فاعل بعضه ، ولهذا استحق الثواب والعقاب ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل :25] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت :13] .
وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661839«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء » . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=30477«لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من ذنبها ؛ لأنه أول [ ص: 63 ] من سن القتل » . وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655997«إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه . وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه » . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : كانوا يرون ذلك في الكلمة عند الأمراء ، وذلك لعموم نفع الكلمة وعموم مضرتها .
فهذا الباب كله إنما الجزاء فيه على عمل الإنسان ، وذلك المتولد من عمله وعمل غيره ، أو من سبب غير عمل غيره ، هو بمنزلة الولد المتولد من الأبوين ، هو مشترك بينهما ويضاف إلى كل منهما إضافة كاملة ، فإنه لا يمكن وقوعها إلا كذلك ، لا يمكن أن تنفرد به قدرة العمل وعمله ، فإن قدرته لا تؤثر تأثيرا مستقلا إلا في محلها ، فلما كان هذا هو الممكن منه في مثل هذا العمل كان عاملا كاملا كالعازم العاجز وأولى .
فصارت المراتب الثلاثة : العازم العاجز ، والعازم المعين العاجز عن الانفراد ، والفاعل المستقل ، وللثلاثة جزاء كامل . والحمد لله وحده ، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما .
[ ص: 64 ]
وَأَمَّا الْعِقَابُ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [صَ : 85] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=90هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النَّمْلِ :90] . وَقَدْ قَرَّرْتُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
nindex.php?page=treesubj&link=30483_30433أَنَّ النَّارَ لَا يَدْخُلُهَا طِفْلٌ وَلَا مَجْنُونٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ وَلَوْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا جَاءَ فِي
[ ص: 61 ] الْأَحَادِيثِ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=30394_30404أَنَّ الْجَنَّةَ يَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ ، فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا أَقْوَامًا يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ ، وَأَمَّا النَّارُ فَإِنَّهُ يُضَيِّقُهَا عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ . . .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28847الْمَقَادِيرُ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ يَقَعُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : الْعَمَلُ الْمُبَاشِرُ ، وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ أَمْرَ مَصْلَحَةٍ وَلَا مَفْسَدَةٍ ، بَلْ كَانَ أَثَرُهُ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ .
الثَّانِي : مَا تَوَلَّدَ عَنِ الْعَمَلِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ قَلِيلًا .
الثَّالِثُ : مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ .
فَالْأَوَّلُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْثِيرِ النِّيَّاتِ وَالْعَزَائِمِ الصَّادِقَةِ .
وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ [ ص: 62 ] وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهِ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=121وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [التَّوْبَةِ :120 - 121] . فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُمْ بِمَا تَوَلَّدَ عَنْ عَمَلِهِمْ عَمَلٌ صَالِحٌ ، وَذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ وَالْإِنْفَاقِ يُكْتَبُ لَهُمْ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَوَلِّدَ لَيْسَ هُوَ خَارِجًا عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ ، كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْإِثْبَاتِ ، وَلَا هُوَ أَيْضًا فِعْلًا لِلْعَبْدِ مَحْضًا ، كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ ، بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي فَعَلَ سَبَبَهُ وَبَيْنَ السَّبَبِ الْخَارِجِ الْمُعِينِ عَلَى تَمَامِهِ . فَالْعَبْدُ فَاعِلٌ بَعْضَهُ ، وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النَّحْلِ :25] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=13وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالَهُمْ [الْعَنْكَبُوتِ :13] .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661839«مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=30477«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ ذَنْبِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ [ ص: 63 ] مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655997«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ . وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ » . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي الْكَلِمَةِ عِنْدَ الْأُمَرَاءِ ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ نَفْعِ الْكَلِمَةِ وَعُمُومِ مَضَرَّتِهَا .
فَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ إِنَّمَا الْجَزَاءُ فِيهِ عَلَى عَمَلِ الْإِنْسَانِ ، وَذَلِكَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ عَمَلِهِ وَعَمَلِ غَيْرِهِ ، أَوْ مِنْ سَبَبٍ غَيْرِ عَمَلِ غَيْرِهِ ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْمُتَوَلِّدِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ، هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَيُضَافُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا إِضَافَةً كَامِلَةً ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهَا إِلَّا كَذَلِكَ ، لَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِهِ قُدْرَةُ الْعَمَلِ وَعَمَلِهِ ، فَإِنَّ قُدْرَتَهُ لَا تُؤَثِّرُ تَأْثِيرًا مُسْتَقِلًّا إِلَّا فِي مَحَلِّهَا ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُمْكِنُ مِنْهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ كَانَ عَامِلًا كَامِلًا كَالْعَازِمِ الْعَاجِزِ وَأَوْلَى .
فَصَارَتِ الْمَرَاتِبُ الثَّلَاثَةُ : الْعَازِمُ الْعَاجِزُ ، وَالْعَازِمُ الْمُعِينُ الْعَاجِزَ عَنِ الِانْفِرَادِ ، وَالْفَاعِلُ الْمُسْتَقِلُّ ، وَلِلثَّلَاثَةِ جَزَاءٌ كَامِلٌ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
[ ص: 64 ]