[ ص: 255 ] سورة النساء .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28908يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ( 1 ) .
قد مضى القول في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1ياأيها الناس ) في أوائل البقرة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1من نفس واحدة ) : في موضع نصب بخلقكم ، ومن لابتداء الغاية ، وكذلك "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1منها زوجها " .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1منهما رجالا كثيرا ) : نعت لرجال ؛ ولم يؤنثه لأنه حمله على المعنى ؛ لأن رجالا بمعنى عدد أو جنس أو جمع كما ذكر الفعل المسند إلى جماعة المؤنث ؛ كقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=30وقال نسوة " وقيل : ( كثيرا ) : نعت لمصدر محذوف ؛ أي : بثا كثيرا .
( تساءلون ) : يقرأ بتشديد السين ، والأصل تتساءلون ، فأبدلت التاء الثانية سينا ، فرارا من تكرير المثل ، والتاء تشبه السين في الهمس ، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية ؛ لأن الباقية تدل عليها ودخل حرف الجر في المفعول ؛ لأن المعنى تتحالفون به .
( والأرحام ) : يقرأ بالنصب وفيه وجهان : أحدهما : معطوف على اسم الله ؛ أي : واتقوا الأرحام أن تقطعوها . والثاني : هو محمول على موضع الجار والمجرور ، كما تقول مررت بزيد وعمرا ؛ والتقدير : الذي تعظمونه والأرحام ؛ لأن الحلف به تعظيم له ، ويقرأ بالجر قيل : هو معطوف على المجرور ، وهذا لا يجوز عند
البصريين ، وإنما جاء في الشعر على قبحه ، وأجازه
الكوفيون على ضعف .
وقيل : الجر على القسم ، وهو ضعيف أيضا ؛ لأن الأخبار وردت بالنهي عن الحلف بالآباء ، ولأن التقدير في القسم : وبرب الأرحام ، هذا قد أغنى عنه ما قبله .
وقد قرئ شاذا بالرفع ، وهو مبتدأ والخبر محذوف تقديره : والأرحام محترمة ، أو واجب حرمتها .
[ ص: 256 ] قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28908وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ) ( 2 ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2بالطيب ) : هو المفعول الثاني لتتبدلوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2إلى أموالكم ) : إلى متعلقة بمحذوف ، وهو في موضع الحال ؛ أي : مضافة إلى أموالكم ، وقيل : هو مفعول به على المعنى ؛ لأن معنى لا تأكلوا أموالهم : لا تضيفوها . ( إنه ) : الهاء ضمير المصدر الذي دل عليه تأكلوا ؛ أي : إن الأكل والأخذ ، والجمهور على ضم الحاء من " حوبا " وهو اسم للمصدر ، وقيل : مصدر ، ويقرأ بفتحها وهو مصدر حاب يحوب إذا أثم .
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28908وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) ( 3 ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ) : في جواب هذا الشرط وجهان : أحدهما : هو قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم . . . " وإنما جعل جوابا ؛ لأنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء ، مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن ، فكأنه قال إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذاك .
والوجه الثاني : أن جواب الشرط قوله : فواحدة ؛ لأن المعنى إن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا منهن واحدة ، ثم أعاد هذا المعنى في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم أن لا تعدلوا " لما طال الفصل بين الأول وجوابه . ذكر هذا الوجه أبو علي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ألا تقسطوا ) : الجمهور على ضم التاء ، وهو من أقسط إذا عدل ، وقرئ شاذا بفتحها ، وهو من قسط إذا جار ، وتكون لا زائدة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ما طاب ) : " ما " هنا بمعنى من ، ولها نظائر في القرآن ستمر بك إن شاء الله تعالى .
وقيل : ما تكون لصفات من يعقل ، وهي هنا كذلك ؛ لأن ما طاب يدل على الطيب منهن .
وقيل : هي نكرة موصوفة ؛ تقديره : فانكحوا جنسا طيبا يطيب لكم ، أو عددا يطيب لكم ، وقيل : هي مصدرية ، والمصدر المقدر بها وبالفعل مقدر باسم الفاعل ؛ أي : انكحوا الطيب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3من النساء ) : حال من ضمير الفاعل في طاب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مثنى وثلاث ورباع ) : نكرات لا تنصرف للعدل والوصف وهي بدل من ما . وقيل : هي حال من النساء . ويقرأ شاذا .
[ ص: 257 ] " وربع " بغير ألف ؛ ووجهها أنه حذف الألف كما حذفت في خيم ، والأصل خيام ، وكما حذفت في قولهم : أم والله . والواو في "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وثلاث ورباع " ليست للعطف الموجب للجمع في زمن واحد ؛ لأنه لو كان كذلك لكان عيا ؛ إذ من أرك الكلام أن تفصل التسعة هذا التفصيل ، ولأن المعنى غير صحيح أيضا ؛ لأن مثنى ليس عبارة عن ثنتين فقط ، بل عن ثنتين ثنتين ، وثلاث عن " ثلاث ثلاث " ، وهذا المعنى يدل على أن المراد التخيير لا الجمع . ( فواحدة ) : أي : فانكحوا واحدة ، ويقرأ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : فالمنكوحة واحدة . ويجوز أن يكون التقدير : فواحدة تكفي . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت ) : أو للتخيير على بابها . ويجوز أن تكون للإباحة . و " ما " هنا بمنزلة ما في قوله " ما طاب " . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ألا تعولوا ) ؛ أي : إلى أن لا تعولوا ، وقد ذكرنا مثله في آية الدين .
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28908وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) ( 4 ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4نحلة ) : مصدر ؛ لأن معنى آتوهن : أنحلوهن . وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الفاعلين ؛ أي : ناحلين ، وأن يكون من الصدقات ، وأن يكون من النساء ؛ أي : منحولات . ( نفسا ) : تمييز والعامل فيه طبن ، والمفرد هنا في موضع الجمع ؛ لأن المعنى مفهوم ، وحسن ذلك أن نفسا هنا في معنى الجنس ، فصار كدرهما في قولك : عندي عشرون درهما . ( فكلوه ) : الهاء تعود على شيء ، والهاء في منه تعود على المال ؛ لأن الصدقات مال . ( هنيئا ) : مصدر جاء على فعيل ، وهو نعت لمصدر محذوف ؛ أي : أكلا هنيئا ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال من الهاء ، والتقدير : مهنأ أو طيبا . و ( مريئا ) : مثله ؛ والمريء فعيل بمعنى مفعل ؛ لأنك تقول أمرأني الشيء إذا لم تستعمله مع هنائي ، فإن قلت : هناني ومراني لم تأت بالهمزة في مراني لتكون تابعة لهناني .
[ ص: 255 ] سُورَةُ النِّسَاءِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28908يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ( 1 ) .
قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّاسُ ) فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَلَقَكُمْ ، وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَكَذَلِكَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1مِنْهَا زَوْجَهَا " .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ) : نَعْتٌ لِرِجَالٍ ؛ وَلَمْ يُؤَنِّثْهُ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ رِجَالًا بِمَعْنَى عَدَدٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ جَمْعٍ كَمَا ذُكِرَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ ؛ كَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=30وَقَالَ نِسْوَةٌ " وَقِيلَ : ( كَثِيرًا ) : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ : بَثًّا كَثِيرًا .
( تَسَاءَلُونَ ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ ، وَالْأَصْلُ تَتَسَاءَلُونَ ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ سِينًا ، فِرَارًا مِنْ تَكْرِيرِ الْمِثْلِ ، وَالتَّاءُ تُشْبِهُ السِّينَ فِي الْهَمْسِ ، وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَدَخَلَ حَرْفُ الْجَرِّ فِي الْمَفْعُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى تَتَحَالَفُونَ بِهِ .
( وَالْأَرْحَامَ ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ ؛ أَيْ : وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا . وَالثَّانِي : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَوْضِعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ، كَمَا تَقُولُ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرًا ؛ وَالتَّقْدِيرُ : الَّذِي تُعَظِّمُونَهُ وَالْأَرْحَامَ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهِ تَعْظِيمٌ لَهُ ، وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ قِيلَ : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ عَلَى قُبْحِهِ ، وَأَجَازَهُ
الْكُوفِيُّونَ عَلَى ضَعْفٍ .
وَقِيلَ : الْجَرُّ عَلَى الْقَسَمِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْقَسَمِ : وَبِرَبِّ الْأَرْحَامِ ، هَذَا قَدْ أَغْنَى عَنْهُ مَا قَبْلَهُ .
وَقَدْ قُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : وَالْأَرْحَامُ مُحْتَرَمَةٌ ، أَوْ وَاجِبٌ حُرْمَتُهَا .
[ ص: 256 ] قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28908وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ) ( 2 ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2بِالطَّيِّبِ ) : هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتَتَبَدَّلُوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2إِلَى أَمْوَالِكُمْ ) : إِلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ؛ أَيْ : مُضَافَةً إِلَى أَمْوَالِكُمْ ، وَقِيلَ : هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ مَعْنَى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ : لَا تُضِيفُوهَا . ( إِنَّهُ ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ تَأْكُلُوا ؛ أَيْ : إِنَّ الْأَكْلَ وَالْأَخْذَ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الْحَاءِ مِنْ " حُوبًا " وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ ، وَقِيلَ : مَصْدَرٌ ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَصْدَرُ حَابَ يَحُوبُ إِذَا أَثِمَ .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28908وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) ( 3 ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ ) : فِي جَوَابِ هَذَا الشَّرْطِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : هُوَ قَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ . . . " وَإِنَّمَا جُعِلَ جَوَابًا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الْوَلَايَةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى ، وَلَا يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ النِّسَاءِ ، مَعَ أَنَّ الْجَوْرَ يَقَعُ بَيْنَهُنَّ إِذَا كَثُرْنَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إِذَا تَحَرَّجْتُمْ مِنْ هَذَا فَتَحَرَّجُوا مِنْ ذَاكَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ قَوْلُهُ : فَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مِنْهُنَّ وَاحِدَةً ، ثُمَّ أَعَادَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا " لَمَّا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَجَوَابِهِ . ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ أَبُو عَلِيٍّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَلَّا تُقْسِطُوا ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ التَّاءِ ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ ، وَقُرِئَ شَاذًّا بِفَتْحِهَا ، وَهُوَ مِنْ قَسَطَ إِذَا جَارَ ، وَتَكُونُ لَا زَائِدَةً . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مَا طَابَ ) : " مَا " هُنَا بِمَعْنَى مَنْ ، وَلَهَا نَظَائِرُ فِي الْقُرْآنِ سَتَمُرُّ بِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقِيلَ : مَا تَكُونُ لِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا طَابَ يَدُلُّ عَلَى الطَّيِّبِ مِنْهُنَّ .
وَقِيلَ : هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ؛ تَقْدِيرُهُ : فَانْكِحُوا جِنْسًا طَيِّبًا يَطِيبُ لَكُمْ ، أَوْ عَدَدًا يَطِيبُ لَكُمْ ، وَقِيلَ : هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ ، وَالْمَصْدَرُ الْمُقَدَّرُ بِهَا وَبِالْفِعْلِ مُقَدَّرٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ ؛ أَيِ : انْكِحُوا الطَّيِّبَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مِنَ النِّسَاءِ ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي طَابَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) : نَكِرَاتٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ مَا . وَقِيلَ : هِيَ حَالٌ مِنَ النِّسَاءِ . وَيُقْرَأُ شَاذًّا .
[ ص: 257 ] " وَرُبَعَ " بِغَيْرِ أَلِفٍ ؛ وَوَجْهُهَا أَنَّهُ حُذِفَ الْأَلِفُ كَمَا حُذِفَتْ فِي خِيَمٍ ، وَالْأَصْلُ خِيَامٌ ، وَكَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْلِهِمْ : أَمْ وَاللَّهِ . وَالْوَاوُ فِي "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ " لَيْسَتْ لِلْعَطْفِ الْمُوجِبِ لِلْجَمْعِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ عِيًّا ؛ إِذْ مِنْ أَرَكِّ الْكَلَامِ أَنْ تُفَصَّلَ التِّسْعَةُ هَذَا التَّفْصِيلَ ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَثْنَى لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ ، بَلْ عَنْ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ ، وَثُلَاثَ عَنْ " ثَلَاثَ ثَلَاثَ " ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ لَا الْجَمْعُ . ( فَوَاحِدَةً ) : أَيْ : فَانْكِحُوا وَاحِدَةً ، وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ : فَالْمَنْكُوحَةُ وَاحِدَةٌ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : فَوَاحِدَةٌ تُكْفِي . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ ) : أَوْ لِلتَّخْيِيرِ عَلَى بَابِهَا . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ . وَ " مَا " هُنَا بِمَنْزِلَةِ مَا فِي قَوْلِهِ " مَا طَابَ " . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَلَّا تَعُولُوا ) ؛ أَيْ : إِلَى أَنْ لَا تُعُولُوا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28908وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) ( 4 ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4نِحْلَةً ) : مَصْدَرٌ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى آتُوهُنَّ : أَنْحِلُوهُنَّ . وَقِيلَ : هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلَيْنِ ؛ أَيْ : نَاحِلِينَ ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّدَقَاتِ ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ النِّسَاءِ ؛ أَيْ : مَنْحُولَاتٍ . ( نَفْسًا ) : تَمْيِيزٌ وَالْعَامِلُ فِيهِ طِبْنَ ، وَالْمُفْرَدُ هُنَا فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ ، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ نَفْسًا هُنَا فِي مَعْنَى الْجِنْسِ ، فَصَارَ كَدِرْهَمًا فِي قَوْلِكَ : عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَمًا . ( فَكُلُوهُ ) : الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى شَيْءٍ ، وَالْهَاءُ فِي مِنْهُ تَعُودُ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَاتِ مَالٌ . ( هَنِيئًا ) : مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ ، وَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ : أَكْلًا هَنِيئًا ، وَقِيلَ : هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ ، وَالتَّقْدِيرُ : مُهَنَّأً أَوْ طَيِّبًا . وَ ( مَرِيئًا ) : مِثْلُهُ ؛ وَالْمَرِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ أَمْرَأَنِي الشَّيْءَ إِذَا لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ مَعَ هَنَائِي ، فَإِنْ قُلْتَ : هَنَّانِي وَمَرَّانِي لَمْ تَأْتِ بِالْهَمْزَةِ فِي مَرَّانِي لِتَكُونَ تَابِعَةً لِهَنَّانِي .