الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) ( 60 ) .

قوله تعالى : ( ويريدون ) : حال من الذين يزعمون ، أو من الضمير في يزعمون ، ويزعمون من أخوات ظننت في اقتضائها مفعولين ، " وأن " وما عملت فيه تسد مسدهما . ( وقد أمروا ) : في موضع الحال من الفاعل في يريدون ، والطاغوت يؤنث ويذكر ، وقد ذكر ضميره هنا ، وقد تكلمنا عليه في البقرة . ( أن يضلهم ضلالا ) ؛ أي : فيضلوا ضلالا . ويجوز أن يكون ضلالا بمعنى إضلالا ، فوضع أحد المصدرين موضع الآخر .

قال تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) ( 61 ) .

قوله تعالى : ( تعالوا ) : الأصل تعاليوا ، وقد ذكرنا ذلك في آل عمران ، ويقرأ شاذا بضم اللام ، ووجهه أنه حذف الألف من تعالى اعتباطا ، ثم ضم اللام من أجل واو الضمير . ( يصدون ) : في موضع الحال . و ( صدودا ) : اسم للمصدر ، والمصدر صد ، وقيل : هو مصدر .

قال تعالى : ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ) ( 62 ) .

قوله تعالى : ( فكيف إذا أصابتهم مصيبة ) : أي : فكيف يصنعون ؟ . و ( يحلفون ) : حال .

قال تعالى : ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) ( 63 ) .

قوله تعالى : ( في أنفسهم ) : يتعلق بقل لهم . وقيل : يتعلق بـ " بليغا " ؛ أي : يبلغ في نفوسهم وهو ضعيف ؛ لأن الصفة لا تعمل فيما قبلها .

قال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) ( 64 ) .

قوله تعالى : ( إلا ليطاع ) : في موضع نصب مفعول له ، واللام تتعلق بأرسلنا .

[ ص: 284 ] و ( بإذن الله ) : حال من الضمير في يطاع . وقيل : هو مفعول به ؛ أي : بسبب أمر الله . و ( إذ ظلموا ) : ظرف ، والعامل فيه خبر إن ، وهو " جاءوك " ( واستغفر لهم الرسول ) : لم يقل : واستغفرت لهم ؛ لأنه رجع من الخطاب إلى الغيبة لما في الاسم الظاهر من الدلالة على أنه الرسول . و ( وجدوا ) : يتعدى إلى مفعولين . وقيل : هي المتعدية إلى واحد . و ( توابا ) : حال . و " رحيما " بدل أو حال من الضمير في تواب .

قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ( 65 ) .

قوله تعالى : ( فلا وربك ) : فيه وجهان : أحدهما : أن " لا " الأولى زائدة ؛ والتقدير : فوربك " لا يؤمنون " . وقيل : الثانية زائدة ، والقسم معترض بين النفي والمنفي . والوجه الآخر : أن " لا " نفي لشيء محذوف ؛ تقديره : فلا يفعلون ، ثم قال : وربك لا يؤمنون . و ( بينهم ) : ظرف لشجر أو حال من " ما " أو من فاعل شجر . و ( ثم لا يجدوا ) : معطوف على يحكموك . و ( في أنفسهم ) : يتعلق بيجدوا تعلق الظرف بالفعل . و ( حرجا ) : مفعول يجدوا ، ويجوز أن يكون في أنفسهم حالا من حرج ، وكلاهما على أن " يجدوا " المتعدية إلى مفعول واحد ، ويجوز أن تكون المتعدية إلى اثنين ، وفي أنفسهم أحدهما . و ( مما قضيت ) : صفة لحرج فيتعلق بمحذوف . ويجوز أن يتعلق بحرج ؛ لأنك تقول حرجت من هذا الأمر . و " ما " يجوز أن تكون بمعنى الذي ، ونكرة موصوفة ومصدرية .

التالي السابق


الخدمات العلمية