الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ( 30 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم تجد ) : يوم هنا مفعول به ; أي اذكر . وقيل : هو ظرف ، والعامل فيه " قدير " . وقيل : العامل فيه " وإلى الله المصير " .

وقيل : العامل فيه " ويحذركم " ; أو يحذركم الله عقابه يوم تجد فالعامل فيه العقاب لا التحذير . ( ما عملت ) : ما فيه بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وموضعه نصب مفعول أول ، و ( محضرا ) : المفعول الثاني ، هكذا ذكروا ، والأشبه أن يكون ( محضرا ) حالا ، ونجد المتعدية إلى مفعول واحد . ( وما عملت من سوء ) : فيه وجهان : أحدهما : هي بمعنى الذي أيضا معطوفة على الأولى ; والتقدير : وما عملت من سوء محضرا أيضا . و ( تود ) : على هذا في موضع نصب على الحال ، والعامل تجد . والثاني : أنها شرط ، وارتفع تود على أنه أراد الفاء ; أي فهي تود .

ويجوز أن يرتفع من غير تقدير حذف ; لأن الشرط هنا ماض ، وإذا لم يظهر في الشرط لفظ الجزم جاز في الجزاء الجزم والرفع .

قال تعالى : ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ( 32 ) ) .

قوله تعالى : ( فإن تولوا ) : يجوز أن يكون خطابا ، فتكون التاء محذوفة ; أي فإن تتولوا ; وهو خطاب كالذي قبله .

ويجوز أن يكون للغيبة ، فيكون لفظه لفظ الماضي .

قال تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ( 33 ) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ( 34 ) ) .

قوله تعالى : ( ذرية ) : قد ذكرنا وزنها وما فيها من القراءات ، فأما نصبها فعلى البدل من نوح ، وما عطف عليه من الأسماء . ولا يجوز أن يكون بدلا من آدم ; لأنه ليس بذرية . ويجوز أن يكون حالا منهم أيضا ، والعامل فيها اصطفى .

[ ص: 206 ] ( بعضها من بعض ) : مبتدأ وخبر في موضع نصب صفة لذرية .

قال تعالى : ( إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ( 35 ) ) .

قوله تعالى : ( إذ قالت ) : قيل : تقديره : اذكر . وقيل : هو ظرف لعليم . وقيل : العامل فيه اصطفى المقدرة مع آل عمران .

( محررا ) : حال من " ما " وهي بمعنى الذي ; لأنه لم يصر ممن يعقل بعد وقيل : هو صفة لموصوف محذوف ; أي غلاما محررا ، وإنما قدروا غلاما ; لأنهم كانوا لا يجعلون لبيت المقدس إلا الرجال .

قال تعالى : ( فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( 36 ) ) .

قوله تعالى : ( وضعتها أنثى ) : أنثى حال من الهاء أو بدل منها .

( بما وضعت ) : يقرأ بفتح العين وسكون التاء على أنه ليس من كلامها ، بل معترض ; وجاز ذلك لما فيه من تعظيم الرب تعالى ويقرأ بسكون العين وضم التاء على أنه من كلامها والأولى أقوى ; لأن الوجه في مثل هذا أن يقال : وأنت أعلم بما وضعت .

ووجه جوازه أنها وضعت الظاهر موضع المضمر تفخيما .

ويقرأ بسكون العين وكسر التاء ، كأن قائلا قال لها ذلك .

( سميتها مريم ) : هذا الفعل مما يتعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه ، وتارة بحرف الجر ، تقول العرب : سميتك زيدا ، وبزيد .

قال تعالى : ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ( 37 ) ) .

قوله تعالى : ( وأنبتها نباتا حسنا ) : هو هنا مصدر على غير لفظ الفعل المذكور وهو نائب عن إثبات .

وقيل : التقدير : فنبتت نباتا ، والنبت والنبات بمعنى ; وقد يعبر بهما عن النابت .

[ ص: 207 ] وتقبلها : أي قبلها ، ويقرأ على لفظ الدعاء في تقبلها وأنبتها وكفلها ، وربها بالنصب ; أي يا ربها و "زكريا " المفعول الثاني .

ويقرأ في المشهور كفلها بفتح الفاء . وقرئ أيضا بكسرها ، وهي لغة يقال كفل يكفل مثل علم يعلم .

ويقرأ بتشديد الفاء ، والفاعل الله ، وزكريا المفعول .

وهمزة زكريا للتأنيث ، إذ ليست منقلبة ولا زائدة للتكثير ولا للإلحاق .

وفيه أربع لغات : هذه إحداها . والثانية : القصر . والثالثة : زكري بياء مشددة من غير ألف . والرابعة : زكر بغير ياء ) . ( كلما ) : قد ذكرنا إعرابه أول البقرة .

و ( المحراب ) : مفعول دخل ، وحق " دخل " أن يتعدى بفي أو بإلى ، لكنه اتسع فيه فأوصل بنفسه إلى المفعول . و ( عندها ) : يجوز أن يكون ظرفا لوجد ، وأن يكون حالا من الرزق ، وهو صفة له في الأصل ; أي رزقا كائنا عندها . و ( وجد ) المتعدي إلى مفعول واحد ، وهو جواب كلما .

وأما ( قال يامريم أنى لك ) : فهو مستأنف ; فلذلك لم يعطفه بالفاء ، ولذلك " قالت هو من عند الله " ولا يجوز أن يكون قال بدلا من وجد ; لأنه ليس في معناه .

ويجوز أن يكون التقدير : فقال ، فحذف الفاء كما حذفت في جواب الشرط كقوله ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) [ الأنعام : 121 ] ; وكذلك قول الشاعر :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

.

[ ص: 209 ] وهذا الموضع يشبه جواب الشرط ; لأن " كلما " تشبه الشرط في اقتضائها الجواب .

( هذا ) : مبتدأ ، وأنى خبره ; والتقدير : من أين و " لك " تبيين .

ويجوز أن يرتفع هذا بلك ، وأنى ظرف للاستقرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية