الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير ( 237 ) ) .

قوله تعالى : ( وقد فرضتم ) : في موضع الحال . ( فنصف ) : أي فعليكم نصف ، أو فالواجب نصف .

ولو قرئ بالنصب لكان وجهه : فأدوا نصف ما فرضتم .

( إلا أن يعفون ) : أن والفعل في موضع نصب ، والتقدير : فعليكم نصف ما فرضتم إلا في حال العفو ، وقد سبق مثله في قوله : " إلا أن يخافا " بأبسط من هذا .

والنون في " يعفون " ضمير جماعة النساء ، والواو قبلها لام الكلمة ; لأن الفعل هنا [ ص: 154 ] مبني ; فهو مثل يخرجن ويقعدن ، فأما قولك الرجال يعفون ; فهو مثل النساء يعفون في اللفظ ، وهو مخالف له في التقدير ; فالرجال يعفون أصله يعفوون مثل يخرجون ، فحذفت الواو التي هي لام الفعل ، وبقيت واو الضمير ، والنون علامة الرفع ، وفي قولك : النساء يعفون ; لم يحذف منه شيء على ما بينا . ( وأن تعفوا ) : مبتدأ ، و ( أقرب ) : خبره ، و ( للتقوى ) : متعلق بأقرب .

ويجوز في غير القرآن أقرب من التقوى ; وأقرب إلى التقوى ، إلا أن اللام هنا تدل على معنى غير معنى إلى وغير معنى من ; فمعنى اللام العفو أقرب من أجل التقوى ، فاللام تدل على علة قرب العفو ، وإذا قلت أقرب إلى التقوى كان المعنى مقارب التقوى ، كما تقول أنت أقرب إلي ، وأقرب من التقوى ، يقتضي أن يكون العفو والتقوى قريبين ، ولكن العفو أشد قربا من التقوى . وليس معنى الآية على هذا ، بل على معنى اللام .

وتاء التقوى مبدلة من واو ; وواوها مبدلة من ياء ; لأنه من وقيت .

( ولا تنسوا الفضل ) : في " ولا تنسوا " من القراءات ووجهها ما ذكرناه في " اشتروا الضلالة " .

( بينكم ) : ظرف لتنسوا أو حال من الفضل وقرئ : " ولا تنسوا الفضل " على باب المفاعلة ، وهو بمعنى المتاركة ، لا بمعنى السهو .

قال تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ( 238 ) ) .

قوله تعالى : ( حافظوا ) : يجوز أن يكون من المفاعلة الواقعة من واحد ; كعاقبت اللص ، وعافاه الله ، وأن يكون من المفاعلة الواقعة من اثنين ، ويكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين ; إذ كان الوجوب حاثا على الفعل ; فكأنه شريك الفاعل الحافظ ، كما قالوا في قوله : ( وإذ واعدنا موسى ) [ البقرة : 51 ] ; فالوعد كان من الله والقبول من موسى ، وجعل القبول كالوعد .

وفي حافظوا معنى لا يجود في احفظوا ; وهو تكرير الحفظ .

( والصلاة الوسطى ) : خصت بالذكر وإن دخلت في الصلوات تفضيلا لها .

والوسطى : فعلى من الوسط . ( لله ) : يجوز أن تتعلق اللام بقوموا ، وإن شئت : بـ " قانتين " .

[ ص: 155 ] قال تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ( 239 ) ) .

قوله تعالى : ( فرجالا ) : حال من المحذوف ، تقديره : فصلوا رجالا ، أو فقوموا رجالا ، ورجالا : جمع راجل ، كصاحب وصحاب ، وفيه جموع كثيرة ليس هذا موضع ذكرها . ( كما علمكم ) : في موضع نصب ; أي ذكرا مثل ما علمكم .

وقد سبق مثله في قوله : ( كما أرسلنا ) [ البقرة : 151 ] وفي قوله : ( واذكروه كما هداكم ) [ البقرة : 198 ] .

قال تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم ( 240 ) ) .

قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ) : الذين مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : يوصون وصية ، هذا على قراءة من نصب : " وصية " . ومن رفع الوصية فالتقدير : وعليهم وصية ، و " عليهم " المقدرة خبر لوصية .

و ( لأزواجهم ) : نعت للوصية . وقيل : هو خبر الوصية ، وعليهم خبر ثان أو تبيين .

وقيل : الذين فاعل فعل محذوف ، تقديره : ليوص الذين يتوفون وصية ، وهذا على قراءة من نصب وصية . ( متاعا إلى الحول ) : مصدر ; لأن الوصية دلت على يوصون ويوصون بمعنى يمتعون ، ويجوز أن يكون بدلا من الوصية على قراءة من نصبها ، أو صفة لوصية .

وإلى الحول متعلق بمتاع ، أو صفة له . وقيل : متاعا حال ; أي متمتعين أو ذوي متاع .

( غير إخراج ) : غير هنا تنتصب انتصاب المصدر عند الأخفش ; تقديره : لا إخراجا . وقال غيره هو حال . وقيل : هو صفة متاع . وقيل : التقدير : من غير إخراج .

قال تعالى : ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( 241 ) ) .

قوله تعالى : ( وللمطلقات متاع ) : ابتداء وخبر .

[ ص: 156 ] و ( حقا ) : مصدر . وقد ذكر مثله قبل .

قال تعالى : ( كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ( 242 ) ) .

قوله تعالى : ( كذلك يبين الله ) : قد ذكر في آية الصيام .

قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ( 243 ) ) .

قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين ) : الأصل في ترى ترأى ، مثل ترعى ، إلا أن العرب اتفقوا على حذف الهمزة في المستقبل تخفيفا ، ولا يقاس عليه ، وربما جاء في ضرورة الشعر على أصله ، ولما حذفت الهمزة بقي آخر الفعل ألفا ، فحذفت في الجزم ، والألف منقلبة عن ياء ، فأما في الماضي فلا تحذف الهمزة .

وإنما عداه هنا بإلى ; لأن معناه ألم ينته علمك إلى كذا ، والرؤية هنا بمعنى العلم ، والهمزة في " ألم " استفهام ، والاستفهام إذا دخل على النفي صار إيجابا وتقريرا ، ولا يبقى الاستفهام ولا النفي في المعنى . ( ثم أحياهم ) : معطوف على فعل محذوف تقديره : فماتوا ثم أحياهم .

وقيل : معنى الأمر هنا الخبر ; لأن قوله : فقال لهم الله موتوا ; أي فأماتهم فكان العطف على المعنى .

وألف أحيا منقلبة عن ياء .

قال تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ( 244 ) ) .

قوله تعالى : ( وقاتلوا ) : المعطوف عليه محذوف ; تقديره : فأطيعوا وقاتلوا ، أو فلا تحذروا الموت ، كما حذره من قبلهم ولم ينفعهم الحذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية