الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا . . . . . . ( 127 ) ) .

قوله تعالى : ( من البيت ) : في موضع نصب على الحال من القواعد ; أي كائنة من البيت ، ويجوز أن يكون في موضع نصب مفعولا به ، بمعنى رفعها عن أرض البيت .

[ ص: 98 ] و ( القواعد ) : جمع قاعدة ; وواحد قواعد النساء قاعد . ( وإسماعيل ) : معطوف على إبراهيم ، والتقدير : يقولان ربنا ، ويقولان هذه في موضع الحال ، وقيل إسماعيل مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : يقول ربنا ; لأن الباني كان إبراهيم ، والداعي كان إسماعيل .

قال تعالى : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا . . . . . . . . ( 128 ) ) .

قوله تعالى : ( مسلمين لك ) : مفعول ثان و ( لك ) : متعلق بمسلمين ; لأنه بمعنى نسلم لك ; أي نخلص ، ويجوز أن يكون نعتا ; أي مسلمين عاملين لك ( ومن ذريتنا ) : يجوز أن تكون : من لابتداء غاية الجعل ، فيكون مفعولا ثانيا .

و ( أمة ) : مفعول أول و ( مسلمة ) : نعت لأمة ، و " لك " على ما تقدم في مسلمين ، ويجوز أن تكون " أمة " مفعولا أول ، " ومن ذريتنا " نعتا لأمة تقدم عليها فانتصب على الحال ، ومسلمة مفعولا ثانيا ، والواو داخلة في الأصل على أمة ، وقد فصل بينهما بقوله ( ومن ذريتنا ) : وهو جائز ; لأنه من جملة الكلام المعطوف . ( وأرنا ) : الأصل أرئنا ; فحذفت الهمزة التي هي عين الكلمة في جميع تصاريف الفعل المستقبل تخفيفا وصارت الراء متحركة بحركة الهمزة والجمهور على كسر الراء وقرئ بإسكانها وهو ضعيف لأن الكسرة هنا تدل على الياء المحذوفة ووجه الإسكان أن يكون شبه المنفصل بالمتصل فسكن كما سكن فخذ وكتف وقيل لم يضبط الراوي عن القارئ لأن القارئ اختلس فظن أنه سكن وواحد المناسك منسك ومنسك بفتح السين وكسرها .

قوله تعالى : ( وابعث فيهم ) ذكر على معنى الأمة ولو قال فيها لرجع إلى لفظ الأمة : يتلو عليهم في موضع نصب صفة لرسول .

[ ص: 99 ] ويجوز أن يكون حالا من الضمير في منهم ، والعامل فيه الاستقرار .

قال تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( 130 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن يرغب ) : من استفهام بمعنى الإنكار ; ولذلك جاءت إلا بعدها ; لأن المنكر منفي ، وهي في موضع رفع بالابتداء ، ويرغب الخبر ، وفيه ضمير يعود على من ( إلا من ) من في موضع نصب على الاستثناء ويجوز أن يكون رفعا بدلا من الضمير في يرغب . ومن نكرة موصوفة أو بمعنى الذي و ( نفسه ) : مفعول سفه لأن معناه جهل تقديره : إلا من جهل خلق نفسه أو مصيرها ، وقيل التقدير سفه بالتشديد ، وقيل التقدير في نفسه ، وقال الفراء هو تمييز ، وهو ضعيف لكونه معرفة .

( في الآخرة ) : متعلق بالصالحين ; أي وإنه من الصالحين في الآخرة ، والألف واللام على هذا للتعريف ، لا بمعنى الذي ; لأنك لو جعلتها بمعنى الذي لقدمت الصلة على الموصول . وقيل هي بمعنى الذي ، وفي متعلق بفعل محذوف يبينه " الصالحين " تقديره إنه لصالح في الآخرة ، وهذا يسمى التبيين ونظيره .

ربيته حتى إذا تمعددا كان جزائي بالعصا أن أجلدا تقديره : كان جزائي الجلد بالعصا ، وهذا كثير في القرآن والشعر .

التالي السابق


الخدمات العلمية