الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ( ( 39 ) ) .

قوله : ( بآياتنا ) : الأصل في آية آية ; لأن فاءها همزة ; وعينها ولامها ياءان ; لأنها من تأتى القوم ، إذا اجتمعوا . وقالوا في الجمع آياء ، فظهرت الياء الأولى ، والهمزة الأخيرة بدل من ياء ، ووزنه أفعال ، والألف الثانية مبدلة من همزة هي فاء الكلمة ، ولو كانت عينها واوا لقالوا آواء ، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس ، ومثله : غاية ، وثاية . وقيل : أصلها أييه ، ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها .

وقيل : أصلها أييه بفتح الأولى والثانية ، ثم فعل في الياء ما ذكرنا . وكلا الوجهين فيه نظر ; لأن حكم الياءين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف .

وقيل : أصلها آيية على فاعلة ; وكان القياس أن تدغم ، فيقال آية مثل دابة ، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة ، وهذا ضعيف ; لأن التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة . ( أولئك ) : مبتدأ ، و " أصحاب النار " خبره . و " هم فيها خالدون " مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب .

[ ص: 52 ] وقيل يجوز أن يكون حالا من النار لأن في الجملة ضميرا يعود عليها ويكون العامل في الحال معنى الإضافة أو للام المقدرة .

قال تعالى : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ( 40 ) ) .

قوله تعالى : ( يابني إسرائيل ) : إسرائيل لا ينصرف ; لأنه علم أعجمي ، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة ، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام ، ومنهم من يقول كذلك ، إلا أنه يقلب الهمزة ياء ، ومنهم من يبقي الهمزة ويحذف الياء ، ومنهم من يحذفهما فيقول : إسرال ، ومنهم من يقول إسراين بالنون ، وبني جمع ابن جمع جمع السلامة [ الفرقان : 41 ] .

وبني : جمع ابن جمع جمع السلامة ، وليس بسالم في الحقيقة ; لأنه لم يسلم لفظ واحده في جمعه ، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين ; لقولهم في الجمع أبناء ، كجبل وأجبال . ولامه واو ، وقال قوم : لامه ياء ، ولا حجة في البنوة ; لأنهم قد قالوا : الفتوة وهي من الياء .

( أنعمت عليكم ) : الأصل أنعمت بها ليكون الضمير عائدا على الموصول ، فحذف حرف الجر ، فصار أنعمتها ، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) . ( وأوفوا ) : يقال في الماضي وفى ، ووفى ، ومن هنا قرئ : ( أوف بعهدكم ) : والفاء بالتخفيف والتشديد . ( وإياي ) : منصوب بفعل محذوف دل عليه فارهبون ، تقديره : وارهبوا إياي فارهبون ، ولا يجوز أن يكون منصوبا بـ ( ارهبون ) ; لأنه قد تعدى إلى مفعوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية