قال تعالى : (  وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن   قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين      ( 124 ) ) .  
قوله تعالى : (  وإذ ابتلى إبراهيم      ) إذ في موضع نصب على المفعول به أي اذكر ، والألف في ابتلى منقلبة عن واو وأصله من بلى يبلو إذا اختبر .  
وفي  إبراهيم   لغات : إحداها  إبراهيم   بالألف والياء ; وهو المشهور .  
و " إبراهم " كذلك إلا أنه تحذف الياء ، وإبراهام ; بألفين ، وإبراهم بألف واحدة وضم الهاء ; وبكل قرئ .  
 [ ص: 95 ] وهو اسم أعجمي معرفة ; وجمعه أباره عند قوم ; وعند آخرين براهم . وقيل فيه أبارهة وبراهمة .  
قوله تعالى : (  جاعلك      ) : يتعدى إلى مفعولين ; لأنه من جعل التي بمعنى صير و (  للناس      ) : يجوز أن يتعلق بجاعل ; أي لأجل الناس .  
ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ; والتقدير : إماما للناس ; فلما قدمه نصبه على ما ذكرنا . (  قال ومن ذريتي      ) : المفعولان محذوفان ، والتقدير : اجعل فريقا من ذريتي إماما . (  لا ينال عهدي الظالمين      ) : هذا هو المشهور على جعل العهد هو الفاعل . ويقرأ الظالمون على العكس ; والمعنيان متقاربان لأن ما نلته فقد نالك .  
قال تعالى : (  وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا   واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود      ( 125 ) ) .  
قوله تعالى : (  وإذ جعلنا      ) : مثل " وإذ ابتلى " .  
وجعل هاهنا يجوز أن يكون بمعنى صير ; ويجوز أن يكون بمعنى خلق ، أو وضع ; فيكون (  مثابة      ) : حالا . وأصل مثابة مثوبة ; لأنه من ثاب يثوب إذا رجع . و (  للناس      ) : صفة لمثابة ، ويجوز أن يتعلق بجعلنا ، ويكون التقدير : لأجل نفع الناس .  
و (  واتخذوا      ) : يقرأ على لفظ الخبر ، والمعطوف عليه محذوف تقديره : فثابوا      [ ص: 96 ] واتخذوا . ويقرأ على لفظ الأمر ، فيكون على هذا مستأنفا . و (  من مقام      ) : يجوز أن يكون من للتبعيض ; أي بعض مقام  إبراهيم   مصلى .  
ويجوز أن تكون من بمعنى في . ويجوز أن تكون زائدة على قول  الأخفش     . و (  مصلى      ) : مفعول اتخذوا ، وألفه منقلبة عن واو ، ووزنه مفعل ، وهو مكان لا مصدر ، ويجوز أن يكون مصدرا ، وفيه حذف مضاف تقديره : مكان مصلى ; أي مكان صلاة ، والمقام موضع القيام ، وليس بمصدر هنا ; لأن قيام  إبراهيم   لا يتخذ مصلى .  
(  أن طهرا      ) : يجوز أن تكون " أن " هنا بمعنى أي المفسرة ; لأن عهدنا بمعنى قلنا والمفسرة ترد بعد القول ، وما كان في معناه فلا موضع لها على هذا .  
ويجوز أن تكون مصدرية وصلتها الأمر ، وهذا مما يجوز أن يكون صلة في أن دون غيرها ، فعلى هذا يكون التقدير : بأن طهرا فيكون موضعها جرا أو نصبا على الاختلاف بين  الخليل   وسيبويه     . و (  السجود      ) : جمع ساجد ، وقيل هو مصدر ، وفيه حذف مضاف ; أي الركع ذوي السجود .  
قوله تعالى : (  اجعل هذا بلدا      ) : اجعل بمعنى صير ; وهذا المفعول الأول ; وبلدا المفعول الثاني ; و (  آمنا      ) صفة المفعول الثاني ، وأما التي في  إبراهيم   فتذكر هناك .  
(  من آمن      ) : من بدل من أهله ، وهو بدل بعض من كل (  ومن كفر      ) : في من وجهان : أحدهما : هي بمعنى الذي أو نكرة موصوفة وموضعها نصب ، والتقدير : قال : وأرزق من كفر وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه .  
(  فأمتعه      ) : عطف على الفعل المحذوف ، ولا يجوز أن يكون من على هذا مبتدأ ، و " فأمتعه " خبره ; لأن الذي لا تدخل الفاء في خبرها ; إلا إذا كان الخبر مستحقا بصلتها ; كقولك : الذي يأتيني فله درهم ، والكفر لا يستحق به التمتيع ، فإن جعلت الفاء زائدة على      [ ص: 97 ] قول  الأخفش  جاز ، وإن جعلت الخبر محذوفا و " فأمتعه " دليلا عليه ; جاز تقديره : ومن كفر أرزقه فأمتعه . والوجه الثاني : أن تكون " من " شرطية ، والفاء جوابها ، وقيل الجواب محذوف تقديره : ومن كفر أرزقه ، ومن على هذا رفع بالابتداء ، ولا يجوز أن تكون منصوبة ; لأن أداة الشرط لا يعمل فيها جوابها ، بل الشرط ، وكفر على الوجهين بمعنى يكفر ، والمشهور فأمتعه بالتشديد وضم العين ، لما ذكرنا من أنه معطوف أو خبر .  
وقرئ شاذا بسكون العين ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه حذف الحركة تخفيفا لتوالي الحركات .  
والثاني : أن تكون الفاء زائدة ، وأمتعه جواب الشرط ، ويقرأ بتخفيف التاء ، وضم العين ، وإسكانها ، على ما ذكرناه ، ويقرأ فأمتعه على لفظ الأمر ، وعلى هذا يكون من تمام الحكاية عن  إبراهيم      .  
(  قليلا      ) : نعت لمصدر محذوف ، أو لظرف محذوف .  
(  ثم أضطره      ) : الجمهور على رفع الراء ، وقرئ بفتحها ووصل الهمزة على الأمر كما تقدم . (  وبئس المصير      ) : المصير فاعل بئس ، والمخصوص بالذم محذوف تقديره : وبئس المصير النار .  
				
						
						
