الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) ( 22 ) .

قوله تعالى : ( ويوم نحشرهم ) : هو مفعول به ، والتقدير : واذكر يوم نحشرهم . و ( جميعا ) : حال من ضمير المفعول ؛ ومفعولا " تزعمون " محذوفان ؛ أي : تزعمونهم شركاءكم ، ودل على المحذوف ما تقدم .

قال تعالى : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) ( 23 ) .

قوله تعالى : ( ثم لم تكن ) : يقرأ بالتاء ، ورفع الفتنة على أنها اسم كان .

و ( أن قالوا ) : الخبر . ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء ؛ لأن تأنيث الفتنة غير حقيقي ، ولأن الفتنة هنا بمعنى القول ، ويقرأ بالياء ، ونصب الفتنة على أن اسم كان " أن قالوا " و " فتنتهم " الخبر .

[ ص: 363 ] ويقرأ كذلك إلا أنه بالتاء على معنى أن قالوا ؛ لأن أن قالوا بمعنى القول والمقالة والفتنة . ( ربنا ) : يقرأ بالجر صفة لاسم الله ، وبالنصب على النداء ، أو على إضمار أعني ، وهو معترض بين القسم والمقسم عليه . والجواب : ما كنا .

قال تعالى : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) ( 25 ) .

قوله تعالى : ( من يستمع ) : وحد الضمير في الفعل حملا على لفظ " من " وما جاء منه على لفظ الجمع ، فعلى معنى " من " ؛ نحو : ( من يستمعون ) [ يونس : 42 ] و ( من يغوصون له ) [ الأنبياء : 82 ] .

( أن يفقهوه ) : مفعول من أجله ؛ أي : كراهة أن يفقهوه .

و ( وقرا ) : معطوف على أكنة ، ولا يعد الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف فصلا ؛ لأن الظرف أحد المفاعيل ، فيجوز تقديمه وتأخيره ، ووحد الوقر هنا ؛ لأنه مصدر ، وقد استوفى القول فيه في أول البقرة . ( حتى إذا ) : إذا في موضع نصب بجوابها ، وهو يقول ؛ وليس لحتى هنا عمل ، وإنما أفادت معنى الغاية ، كما لا تعمل في الجمل . و ( يجادلونك ) : حال من ضمير الفاعل في جاءوك .

والأساطير جمع ، واختلف في واحده ، فقيل : هو أسطورة ، وقيل : واحدها أسطار ، والأسطار جمع سطر بتحريك الطاء ، فيكون أساطير جمع الجمع ، فأما سطر بسكون الطاء فجمعه سطور وأسطر .

قال تعالى : ( وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ) ( 26 ) .

قوله تعالى : ( وينأون ) : يقرأ بسكون النون وتحقيق الهمزة ، وبإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها ، فيصير اللفظ بها ينون بفتح النون ، وواو ساكنة بعدها . و ( أنفسهم ) : مفعول يهلكون .

قال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ( 27 ) .

[ ص: 364 ] قوله تعالى : ( ولو ترى ) : جواب " لو " محذوف ، تقديره : لشاهدت أمرا عظيما .

ووقف متعد ، وأوقف لغة ضعيفة ، والقرآن جاء بحذف الألف ، ومنه وقفوا ، فبناؤه لما لم يسم فاعله ، ومنه " وقفوهم " . " ولا نكذب " ، " ونكون " : يقرآن بالرفع . وفيه وجهان : أحدهما : هو معطوف على نرد ، فيكون عدم التكذيب والكون من المؤمنين متمنين أيضا كالرد .

والثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : ونحن لا نكذب ، وفي المعنى وجهان : أحدهما : أنه متمنى أيضا ، فيكون في موضع نصب على الحال من الضمير في " نرد " .

والثاني : أن يكون المعنى أنهم ضمنوا أن لا يكذبوا بعد الرد ، فلا يكون للجملة موضع ، ويقرآن بالنصب على أنه جواب التمني ، فلا يكون داخلا في التمني ، والواو في هذا كالفاء .

ومن القراء من رفع الأول ، ونصب الثاني ، ومنهم من عكس ، ووجه كل واحدة منهما على ما تقدم .

قال تعالى : ( وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) ( 29 ) .

قوله تعالى : ( إن هي إلا ) : هي كناية عن الحياة ، ويجوز أن يكون ضمير القصة .

التالي السابق


الخدمات العلمية