الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( طير ) ( هـ س ) فيه : " الرؤيا لأول عابر ، وهي على رجل طائر " . كل حركة من كلمة أو جار يجري فهو طائر مجازا ، أراد : على رجل قدر جار ، وقضاء ماض ، من خير أو شر ، وهي لأول عابر يعبرها : أي أنها إذا احتملت تأويلين أو أكثر فعبرها من يعرف عبارتها وقعت على ما أولها ، وانتفى عنها غيره من التأويل .

                                                          وفي حديث آخر : " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر " . أي : لا يستقر تأويلها حتى تعبر . يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت . كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله ، فكيف يكون ما على رجله ؟ * وفي حديث أبي ذر : " تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم " . يعني أنه استوفى بيان الشريعة وما يحتاج إليه في الدين ، حتى لم يبق مشكل . فضرب ذلك مثلا . وقيل : أراد أنه لم يترك شيئا إلا بينه حتى بين لهم أحكام الطير وما يحل منه وما يحرم ، وكيف يذبح ، وما الذي يفدي منه المحرم إذا أصابه ، وأشباه ذلك ، ولم يرد أن في الطير علما سوى ذلك علمهم إياه ، أو رخص لهم أن يتعاطوا زجر الطير كما كان يفعله أهل الجاهلية .

                                                          * وفي حديث أبي بكر والنسابة : " فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء ؟ قال : لا " . شيبة الحمد : هو عبد المطلب بن هاشم ، سمي مطعم طير السماء ، لأنه لما نحر فداء ابنه عبد الله أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة بعير ، فرقها على رءوس الجبال فأكلتها الطير .

                                                          ( هـ ) وفي صفة الصحابة : " كأنما على رءوسهم الطير " . وصفهم بالسكون والوقار ، وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة ; لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن .

                                                          [ ص: 151 ] * وفيه : رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه . أي : يجريه في الجهاد . فاستعار له الطيران .

                                                          ومنه حديث وابصة : " فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره " . أي : مال إلى جهة يهواها وتعلق بها . والمطار : موضع الطيران .

                                                          ( س ) ومنه حديث عائشة : " أنها سمعت من يقول : إن الشؤم في الدار والمرأة ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض " . أي : كأنها تفرقت وتقطعت قطعا ، من شدة الغضب .

                                                          ( س ) ومنه حديث عروة : " حتى تطايرت شؤون رأسه " . أي : تفرقت فصارت قطعا .

                                                          ( س ) ومنه الحديث : " خذ ما تطاير من شعر رأسك " . أي : طال وتفرق .

                                                          * وفي حديث أم العلاء الأنصارية : " اقتسمنا المهاجرين فطار لنا عثمان بن مظعون " . أي : حصل نصيبنا منهم عثمان .

                                                          ( س ) ومنه حديث رويفع : " إن كان أحدنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليطير له النصل وللآخر القدح " . معناه : أن الرجلين كانا يقتسمان السهم فيقع لأحدهما نصله وللآخر قدحه . وطائر الإنسان : ما حصل له في علم الله مما قدر له .

                                                          ( هـ ) ومنه الحديث : " بالميمون طائره " . أي : بالمبارك حظه . ويجوز أن يكون أصله من الطير السانح والبارح .

                                                          وفي حديث السحور والصلاة ذكر : " الفجر المستطير " هو الذي انتشر ضوءه واعترض في الأفق ، بخلاف المستطيل .

                                                          ومنه حديث بني قريظة :

                                                          وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

                                                          أي : منتشر متفرق ، كأنه طار في نواحيها .

                                                          ( س ) ومنه حديث ابن مسعود : " فقدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة ، فقلنا : اغتيل [ ص: 152 ] أو استطير " . أي : ذهب به بسرعة كأن الطير حملته ، أو اغتاله أحد . والاستطارة والتطاير : التفرق والذهاب .

                                                          ( هـ ) وفي حديث علي : " فأطرت الحلة بين نسائي " . أي : فرقتها بينهن وقسمتها فيهن . وقيل الهمزة أصلية . وقد تقدم .

                                                          ( س ) وفيه : لا عدوى ولا طيرة . الطيرة - بكسر الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن - : هي التشاؤم بالشيء . وهو مصدر تطير . يقال : تطير طيرة ، وتخير خيرة ، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما . وأصله فيما يقال : التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما . وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع ، وأبطله ونهى عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر . وقد تكرر ذكرها في الحديث اسما وفعلا .

                                                          * ومنه الحديث : " ثلاث لا يسلم أحد منهن : الطيرة والحسد والظن . قيل : فما نصنع ؟ قال : إذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق " .

                                                          * ومنه الحديث الآخر : الطيرة شرك ، وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل . هكذا جاء في الحديث مقطوعا . ولم يذكر المستثنى . أي : إلا وقد يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهة . فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع .

                                                          وهذا كحديثه الآخر : " ما فينا إلا من هم أو لم ، إلا يحيى بن زكريا " فأظهر المستثنى .

                                                          وقيل إن قوله : " وما منا إلا " من قول ابن مسعود أدرجه في الحديث ، وإنما جعل الطيرة من الشرك ; لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبه ، فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك .

                                                          وقوله : ولكن الله يذهبه بالتوكل . معناه أنه إذا خطر له عارض التطير فتوكل على الله وسلم إليه ولم يعمل بذلك الخاطر غفره الله له ولم يؤاخذه به .

                                                          ( هـ ) وفيه : " إياك وطيرات الشباب " . أي : زلاتهم وغراتهم ، جمع طيرة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية