الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : والواحد إذا قام بالتفليس كان ذلك له ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لم أسمع مالكا يقول في الرجل الواحد إذا قام أنه يفلس له ، ولكن الرجل الواحد عندي والجماعة بمنزلة سواء ، أنه يفلس له ابن وهب وقال مالك بن أنس ، في الذي يغيب في بعض المخارج فيهلك ، فيأتي رجل بذكر حق على الميت ، فيريد أخذه ويقول الورثة : نخشى أن يكون عليه دين سوى هذا ، قال : إن كان الميت رجلا ليس معروفا بالدين ، قضى هذا حقه ولم ينتظر به . وإن كان ممن يعد مديانا في ظاهر معرفة الناس ، ويخاف كثرة دينه ، لم يعجل بقضاء هذا حتى يستبرأ أمره .

                                                                                                                                                                                      قال عبد الرحمن وغيره من الرواة : إذا قام به رجل ، أوقف وضرب على يديه واستقصى أمره ، ثم يباع له ماله ، وهو والميت سواء إذا كان معروفا بالدين لم [ ص: 77 ] يعجل بقضاء من حضر ، وأوقف حتى يستبرأ أمره ، ويجتمع أهل دينه ، أو يعرفوا فيضرب لهم بحقوقهم ، فهذا أعدل روايتهم عن مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : أرأيت إن كان معه في المصر غرماء له ، ففلس هذا المديان بعض غرمائه ولم يقم عليه من بقي من الغرماء ، وهم في المصر قد علموا به حين فلس ، فقاموا بعد ذلك على الذين اقتضوا حقوقهم ، أيكون لهم أن يتبعوهم فيحاصوهم في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ما سمعت من مالك فيه شيئا ولكن مالكا قال في الرجل يعتق عبده ، وعليه دين يغترق ماله ، فلا يقوم عليه الغرماء إلا بعد ذلك وقد علموا بالعتق ، فلم يقوموا عليه حين أعتق ، فإنه لا يرد لهم العتق بعد ذلك ; لأنهم تركوا القيام عليه حين أعتق عبده وقد علموا بذلك ، وكذلك مسألتك ; لأنهم حين تركوا أن يقوموا عليه عندما فلس وهم حضور ، وقد علموا بالتفليس ، فقد رضوا أن يكون حقهم في ذمة الغريم في المستقبل ، ورضوا أن يتركوا المحاصة مع هؤلاء الذين أخذوا المال .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقد قيل إنه يوقف لهم حقوقهم ; لأنه قد ضرب على يديه ووقف ليقسم ماله ، والحاضر والغائب سواء ، إلا أن يتبين من الحاضر أنه تارك لحقه في ذمة الغريم ، وراض باقتضاء هؤلاء حقوقهم .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية