ثم دخلت سنة خمس وثلاثين
فمن الحوادث فيها أهل مصر ومن وافقهم على عثمان رضي الله عنه خروج
أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد قالا: أخبرنا ابن النقور ، قال: أخبرنا ، قال: أخبرنا المخلص أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا السري بن يحيى ، قال: حدثنا شعيب ، قال: حدثنا سيف ، عن عطية ، عن يزيد الفقعسي ، قال: كان ابن سبأ يهوديا من أهل صنعاء ، أمه سوداء ، فأسلم زمان عثمان ، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ، ثم بالبصرة ، ثم بالكوفة ، ثم بالشام ، فلم يقدر على ما يريد ، فأخرجوه حتى أتى مصر ، فغمز ، وأظهر الأمر بالمعروف ، وكان عثمان بن عفان عمار بمصر فاستماله ابن السوداء وأصحابه ، ودعوه إلى خلع عثمان ، فقدم المدينة .
وحدثنا سيف عن مبشر بن الفضيل ، وسهل بن يوسف ، عن ، قال: قدم محمد بن سعد بن أبي وقاص من عمار مصر وأبي شاك فبلغه فبعثني إليه أدعوه ، فلما دخل على سعد ، قال: ويحك يا أبا اليقظان ، إن كنت فينا لمن أهل الخير ، فما الذي بلغني من سعيك في [ ص: 50 ] فساد بين المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين ، أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى إلى عمامته وغضب فنزعها وقال: خلعت عمار عثمان كما خلعت هذه ، فقال سعد: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك ، خلعت ربقة الإسلام من عنقك ، فقام مغضبا وأقبل عمار سعد يبكي له ، وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه .
وحدثنا سيف عن عطية ، عن يزيد الفقعسي ، قال: جعل أهل مصر يكتبون إلى الأمصار ، قال سيف : كاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون ، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ، ويسألون عثمان عن أشياء ، فاجتمع المصريون والكوفيون بالمدينة ، فخطبهم عثمان وقال: إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر ، وكانت لا تتم ، ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت ، قالوا: وحميت حمى ، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي . وقالوا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده . وقالوا: استعملت الأحداث ولم أستعمل إلا مجتمعا مرضيا ، وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسامة أشد ما قيل لي .
وقالوا: أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه ، وإني إنما نفلته خمس الخمس ، وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر ، فلما كره الجند ذلك رددته ، وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم ، فأما حبي فإنه لم يمل معي على جور ، وإنما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس وما تبلغت من مال الله عز وجل بفلس فما فوقه . وعمر
وحدثنا سيف عن محمد وطلحة وأبي عثمان وأبي حارثة ، قالوا: لما كان شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر في أربعة رفاق على أربعة أمراء ، المقلل يقول: ستمائة ، والمكثر يقول: ألف . على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البكري ، وكنانة بن بشر [التجيبي ، وعروة بن شبيم] الليثي ، [ وأبو عمرو بن [ ص: 51 ] بديل بن ورقاء الخزاعي ، وسواد بن رومان الأصبحي ، وزرع بن يشكر اليافعي ] ، وقتيرة السكوني ، وسودان بن حمران السكوني . وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي ، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، وإنما خرجوا كالحجاج ، ومعهم ابن السوداء . وخرج أهل الكوفة في أربعة رفاق ، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي ، والأشتر النخعي ، وزياد بن النضر الحارثي ، وعبد الله بن الأصم وعليهم جميعا عمرو بن الأصم ، وعددهم كعدد أهل مصر .
وخرج أهل البصرة في أربعة رفاق ، وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي ، وذريح بن عباد العبدي ، وبشر بن شريح بن الحطم القيسي ، وابن محرش بن عبد عمرو الحنفي ، وعددهم كعدد أهل مصر ، وأميرهم جميعا حرقوص بن زهير السعدي ، سوى من تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا ، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة ، وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير .
فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أناس من أهل البصرة ، [فنزلوا ذا خشب ، وأناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص ، وجاءهم أناس من أهل مصر ] وتركوا عامتهم بذي المروة . ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم ، وقالا: لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد .
فدخل الرجلان ، فلقيا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة والزبير ، وقالا: إنما نؤم هذا البيت ، ونستعفي من هذا الوالي من بعض عمالنا ، ما جئنا إلا لذلك ، فاستأذنوهم للناس في الدخول ، فكلهم أبى ونهى ، فرجعا فاجتمع من وعليا أهل مصر نفر فأتوا عليا رضي الله عنه ، ومن البصرة نفر فأتوا طلحة ، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير ، وقال كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ، ثم نبغتهم . فأتى المصريون عليا رضي الله عنه وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عند عثمان ، فعرضوا له ، فصاح بهم [فطردهم] ، وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، فارجعوا لا صحبكم الله . [ ص: 52 ] وأتى البصريون طلحة وقد أرسل بنيه إلى عثمان ، فعرضوا له ، فصاح بهم وطردهم وقال مثل قول . علي
وأتى الكوفيون الزبير وقد سرح ابنه عبد الله إلى عثمان ، فعرضوا له فصاح بهم وطردهم ، وقال مثل طلحة .
فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون ، فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى أتوا إلى عساكرهم ، وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ، ثم يكرون فافترق أهل المدينة لخروجهم ، فكروا فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة ، فأحاطوا وقالوا: من كف يده فهو آمن . بعثمان
وأتاهم الناس فكلموهم وفيهم ، فقال علي ما ردكم بعد ذهابكم؟ فقالوا: أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا هذا علي: يصلي بالناس وهم يصلون خلفه ويقولون: لا حاجة لنا في هذا الرجل ، ليعتزلنا . وعثمان
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم ، فخرجوا على الصعب والذلول ، فبعث معاوية ، وبعث حبيب بن مسلمة الفهري عبد الله بن سعد بن أبي سرح معاوية بن خديج ، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو . ولما جاءت الجمعة التي على أثر نزول المصريين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خرج عثمان رضي الله عنه فصلى بالناس ، ثم قام على المنبر ، فقال: يا هؤلاء ، إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطايا بالصواب .
فقام محمد بن مسلمة: إنا نشهد بذلك ، فأخذه فأقعده ، فقام حكيم بن جبلة فقال: ابغني الكتاب ، فثار إليه زيد بن ثابت محمد بن أبي قثيرة فأقعده ، وثار القوم بأجمعهم ، فحصبوهم حتى أخرجوهم من المسجد ، وحصبوا عثمان حتى صرع [ ص: 53 ] عن المنبر مغشيا عليه ، فاحتمل فأدخل داره ، وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا في ثلاثة نفر ، فإنهم كانوا يراسلونهم: محمد بن أبي بكر ، ومحمد بن جعفر ، وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم ، وعمار بن ياسر سعد بن مالك ، وأبو هريرة ، ، وزيد بن ثابت والحسن بن علي بن أبي طالب ، فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا . ودخل علي وطلحة والزبير على عثمان يعودونه من صرعته ، فصلى بهم عثمان بعد ما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوما ثم منعوه الصلاة ، فصلى بالناس أميرهم الغافقي ، دان له المصريون والكوفيون والبصريون ، وتفرق أهل المدينة إلى حيطانهم ، ولزموا بيوتهم ، لا يخرج أحد ، ولا يجلس أحد إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم ، وكان الحصار أربعين يوما ، وفيها كان القتل ، ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح ، وكانوا قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون عن الناس ، ويحتملون منهم الكلام .
ولما رأى زيد وزياد وعمر والأصم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان ، وأنهم لا يجيئونهم رجعوا من بين أهل الكوفة ، وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء: إن أمر هؤلاء قد بان ، وأنهم جاولوا الإسلام ، ومنعوا الصلاة ، وحالوا بيني وبين المسجد ، ولما لم يجدوا خرجا ، قالوا: لا نرضى إلا بأن يعتزلنا ، فأدركوا الفتنة قبل تدفقها ، فحرض العمال أهل بلادهم ، وجاء سعد ، وزيد للقتال ، فقال ، وأبو هريرة عثمان: إن كنتم ترون الطاعة ، فاغمدوا أسيافكم وانصرفوا .
وجاء كثير بن الصلت ، فقال لو أريت الناس وجهك ، فقد انكسر الناس ، فقال: يا كثير ، رأيتني البارحة وكأني دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: وأبي بكر رضي الله عنهما ، فقال: قد صبرت فلن يدركك المسلمون حتى تقتل ، فارجع فإنك مفطر عندي يوم كذا وكذا ، ولن تغيب الشمس والله يوم كذا وكذا ، إلا وأنا من أهل الآخرة ، فقالوا: نستقيل ، فقال: اخرجوا عني . وعمر
ولما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على رقيبا في نفر فلازمه ، ورقيبه علي بن أبي طالب خالد بن ملجم ، وعلى طلحة رقيبا فلازمه ، ورقيبه سودان بن حمران ، وعلى الزبير رقيبا فلازمه ، ورقيبه قتيرة وعلى نفر بالمدينة ، وقالوا لهم: إن تحركوا فاقتلوهم ، فلما لم يستطع هؤلاء النفر غشيان عثمان بعثوا أبناءهم إلى عثمان ، [ ص: 54 ] فأقبل الحسن بن علي ، فقال له: مرنا بأمرك ، فقال: يا ابن أخي ، أوصيك بما أوصي به نفسي ، واصبر وما صبرك إلا بالله ، وجاء ، فقال له مثل ذلك ، وجاء ابن الزبير محمد بن طلحة فقال له مثل ذلك .
وأشرف عثمان ، فقال: يا أهل المدينة إني أستودعكم الله فارجعوا ، عثمان الدار أربعين ليلة ، فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: ولزم حبيب من الشام ، من ومعاوية مصر ، والقعقاع بن عمرو من الكوفة ، ومجاشع من البصرة ، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ، ومنعوه من كل شيء حتى الماء ، فبعث إلى رضي الله عنه بأنهم قد منعونا الماء ، وإلى علي طلحة والزبير وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء إليهم وعائشة فقال: إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين ، فإن علي الروم لتأسر فتطعم وتسقي ، فقالوا: لا والله ولا نعمة عين ، لا نتركه يأكل ولا يشرب ، فرجع . [على بغلة لها برحالة] مشتملة على إداوة أم حبيبة ، فقالت لهم: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله كيلا تهلك أموال اليتامى ، فقالوا: كاذبة ، وقطعوا حبل بغلتها بالسيف ، فنذرت فتلقاها الناس . وجاءت
وتجهزت خارجة إلى الحج هاربة . عائشة
وحج بالناس تلك السنة بأمر عبد الله بن عباس عثمان وهو محصور .
فلما علم المصريون أنهم مقصودون ، قالوا: لا ينجينا إلا قتل هذا الرجل ، فراموا الباب ، فمنعهم الحسن ، وابن الزبير ، ومحمد بن طلحة ، ومروان ، ، وكانوا مقيمين على الباب ، فناداهم وسعيد بن العاص عثمان : الله الله ، أنتم في حل من نصرتي ، فأبوا ، ففتح الباب ، وخرج ومعه الترس والسيف ، فبارز المصريون ، وركبهم هؤلاء فتراجعوا ، وأقسم على أصحابه ليدخلن إذ أبوا أن ينصرفوا ، فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين ، [ ص: 55 ] عثمان القرآن تلك الأيام نجيا ، يصلي وعنده المصحف ، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه . واتخذ
فجاء المصريون بنار فأحرقوا الباب ، في الصلاة قد افتتح طه ، فما كرثه ما سمع ، وما تتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه . وبارز وعثمان مروان يومئذ ، فاختلف هو ورجل منهم ضربتين ، فاجتر هذا أصحابه وهذا أصحابه ، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملئوها ولا يشعر الذين بالباب ، فقال رجل: اخلعها وندعك ، فقال: لست خالعا قميصا كسانيه الله ، فخرج ودخل آخر فلم يقتله ، وجاء ابن سلام ينهاهم ، فقالوا: يا ابن اليهودية ، ما أنت وهذا .
الغافقي وبيده حديدة فضرب بها رأسه فشجها فقطر دمه على المصحف ، وضرب المصحف برجله ، ثم تعاونوا عليه ، فضربه فأتاه سودان بن حمران ، فوثبت نائلة بنت الفرافصة فصاحت وألقت نفسها عليه وأخذت السيف بيدها ، فتعمدها ، فقطع أصابع يدها وقتله ، فوثب غلام فقتل لعثمان سودان ، فقتل قتيرة الغلام ، فوثب غلام آخر وقتل قتيرة ، ورموا بهما فأكلتهما الكلاب . عثمان ولا غلاماه لكونهم شهداء ، ودفنا إلى جنب ولم يغسل عثمان بالبيت ، وانتهبوا متاع البيت ، ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف ، فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف ، وتنادوا في الدار: أدركوا بيت المال ، لا تسبقوا إليه ، فأتوه فانتهبوه .