الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

380 - أرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أبو عبد الله :

وأمه أميمة بنت الحارث من خزاعة ، وخاله نافع بن الحارث بن خزاعة عامل عمر بن الخطاب على مكة .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار ، قال : أخبرنا الجوهري ، قال : أخبرنا ابن حيوية ، قال : أخبرنا ابن معروف ، قال : حدثنا ابن الفهم ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمران بن هند بن عبد الله بن عثمان بن الأرقم [بن أبي الأرقم المخزومي ] ، قال : حدثني أبي ، عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم ، قال :

حدثني جدي عثمان بن الأرقم ، قال : أنا ابن سبعة في الإسلام ، أسلم أبي سابع سبعة ، وكانت داره بمكة على الصفا ، وهي الدار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون فيها في أول الإسلام ، وفيها دعي الناس إلى الإسلام ، وأسلم فيها خلق كثير ، وقال ليلة الاثنين فيها : "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب ، أو عمرو بن هشام " . فجاء عمر بن الخطاب من الغد بكرة فأسلم في دار الأرقم وخرجوا منها وكبروا وطافوا بالبيت ظاهرين ، فدعيت دار الأرقم دار الإسلام ، وتصدق بها الأرقم على ولده ، فقرأت نسخة صدقة الأرقم بداره .

"بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما قضى الأرقم في ربعه ما حاذى الصفا ، إنها [ ص: 280 ] محرمة بمكانها من الحرم ، لا تباع ولا تورث ، شهد هشام بن العاص ، وفلان مولى هشام بن العاص " . فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويؤاجرون ويأخذون عليها حتى كان زمن أبي جعفر .

قال محمد بن عمران : فأخبرني أبي ، عن يحيى بن عمران أن ابن عثمان بن الأرقم قال :

إني لأعلم اليوم الذي وقعت في نفس أبي جعفر ، إنه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوة عليه لأخذتها ، وإنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا ، فلما خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة ، كان عبد الله بن عثمان بن الأرقم ممن تابعه ولم يخرج معه ، فتعلق عليه أبو جعفر بذلك ، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحبسه ويطرحه في حديد ، ثم بعث رجلا من أهل الكوفة يقال له شهاب بن عبد رب ، وكتب معه إلى عامل المدينة أن يفعل ما يأمره به ، فدخل شهاب على عبد الله بن عثمان الحبس - وهو شيخ كبير ابن بضع وثمانين سنة ، وقد ضجر بالحديد والحبس - فقال له : هل لك أن أخلصك مما أنت فيه وتبيعني دار الأرقم ؟ فإن أمير المؤمنين يريدها ، وعسى إن بعته إياها أن أكلمه فيك فيعفو عنك قال : إنها صدقة ، ولكن حقي منها له ومعي فيها شركاء إخوتي وغيرهم ، فقال : إنما عليك نفسك ، أعطنا حقك وبرئت . فأشهد له بحقه ، وكتب عليه كتاب شراء على حساب سبعة عشر ألف دينار ، ثم تتبع إخوته ففتنهم بكثرة المال فباعوه ، فصارت لأبي جعفر ولمن أقطعها ، ثم صيرها المهدي للخيزران أم موسى وهارون ، فبنتها وعرفت بها ، ثم صارت لجعفر بن موسى أمير المؤمنين ، [ثم سكنها أصحاب الشطوي والعدني ، ثم اشترى ] عامتها غسان بن عباد من ولد موسى بن جعفر .

قال علماء السير : شهد الأرقم بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله ، ومات الأرقم [ ص: 281 ] بالمدينة في هذه السنة وهو ابن سبع وثمانين سنة ، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص .

381 - سعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ويكنى أبا إسحاق :

وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي .

أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة .

وقيل : تسع عشرة .

وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا خالي فليرني امرؤ خاله " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم سدد رميته وأجب دعوته " . وكان مجاب الدعوة ، ودعا فقال : اللهم إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا ، فأخر عنه الموت عشرين سنة .

وولي الولايات من قبل عمر وعثمان ، وجعله عمر أحد أصحاب الشورى ، وأمره على جيوش العراق ، ثم ولاه الكوفة .

وكان قصيرا ، غليظا ، ذا هامة ، شثن الأصابع ، آدم ، أفطس ، أشعر الجسد ، يخضب السواد . وكان له من الولد ، ثمانية عشر ذكرا ، وثماني عشرة أنثى .

وروى عنه من الصحابة ابن عباس ، وجابر بن سمرة ، والسائب بن يزيد ، وعائشة أم المؤمنين .

وكان عمر يقول لابنه : إذا حدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسأل عنه غيره .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، قال : أخبرنا الجوهري ، قال : أخبرنا ابن حيوية ، قال : أخبرنا ابن معروف ، قال : أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا عبد الله بن نمير ، ويعلى ومحمد ابنا عبيد ، قالوا : [ ص: 282 ] حدثنا إسماعيل بن خالد ، عن قيس بن حازم ، قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول :

والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ، ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السمر ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط .

قال محمد بن سعد : وأخبرنا وكيع ، عن سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الله بن شداد ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال :

ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه إلا سعدا ، فإني سمعته يقول يوم أحد : "ارم سعد فداك أبي وأمي "
.

توفي سعد في قصر بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ، فحمل على أعناق الرجال إلى المدينة ، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة ، ثم صلى عليه أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرهن ووقف به عليهن فصلين عليه ودفن بالبقيع .

وكان أوصى أن يكفن في جبة صوف له ، كان لقي المشركين فيها يوم بدر فكفن فيها وذلك في سنة خمس وخمسين . كذلك قال خليفة بن خياط ، وسعيد بن عمير ، وعمرو بن علي المدائني .

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين : سنة ثمان وخمسين .

وقال الهيثم بن عدي : سنة خمسين .

وقال ابن بكير : سنة أربع وخمسين ،

وهو آخر المهاجرين وفاة . والأول أثبت .

وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم . وفي مقدار عمره أقوال ثلاث ، أحدها : ثلاث وثمانون . قاله إبراهيم بن سعد .

والثاني : أربع وسبعون . قاله عمرو بن علي .

[ ص: 283 ] والثالث : اثنتان وثمانون .

وقول الغلاس أثبت .

382 - سحبان بن زفر بن إياس بن عبد شمس بن الأحب الباهلي :

كان خطيبا بليغا يضرب المثل بفصاحته ، ودخل على معاوية بن أبي سفيان وعنده خطباء القبائل ، فلما رأوه خرجوا لعلمهم بقصورهم عنه ، فمن قوله :


لقد علم الحي اليمانيون أنني إذا قلت : أما بعد ، أني خطيبها



فقال له معاوية : اخطب ، فقال : انظروا لي عصا تقيم من أودي ، قالوا : وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين ؟ قال : ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب ربه ، فأخذها وتكلم من الظهر إلى أن قارب العصر ما تنحنح ولا سعل ولا توقف ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه ، فقال معاوية : الصلاة ، قال : الصلاة أمامك ألسنا في تحميد وتمجيد وعظة وتنبيه وتذكير ووعد ووعيد ، فقال معاوية : أنت أخطب الجن والإنس ، قال : كذلك أنت .

383 - فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس :

كان صبيا يوم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء كنا غلمانا نحتطب ، فأرسلنا إلى أهلنا وقال : قولوا قد جاء صاحبكم الذي تنتظرون ، فخرجنا إلى أهلنا فأخبرناهم ، فأقبل القوم .

وشهد فضالة أحدا والخندق وما بعدها ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ، ثم خرج إلى الشام وصار قاضيا بها في خلافة معاوية .

384 - قثم بن العباس بن عبد المطلب :

كان [يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومر به ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلعب ، فحمله خلفه . [ ص: 284 ] واستعمله علي بن أبي طالب على المدينة ، وخرج مع سعيد بن عثمان في زمن معاوية ، فاستشهد بسمرقند .

385 - كعب بن عمرو بن عباد ، أبو اليسر :

شهد العقبة وبدرا وهو ابن عشرين سنة ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان قصيرا دحداحا ، أبطن ، وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب يوم بدر .

وتوفي بالمدينة في هذه السنة .

[ ص: 285 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية