الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

341 - جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، أبو محمد :

كان أبوه من أشراف قريش ، وقدم جبير في فداء أسارى بدر ، قال : فنمت في [ ص: 231 ] المسجد بعد العصر ، فأقيمت المغرب ، فقمت فزعا بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد ، فذاك أول يوم دخل الإسلام في قلبي .

وأسلم قبل الفتح ، ونزل المدينة ، ومات في وسط خلافة معاوية .

342 - جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار :

سبيت في غزوة بني المصطلق ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها ، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها . وكانت كثيرة التسبيح والتقديس والذكر . وتوفيت في هذه السنة ، وهي بنت خمس وستين [سنة ] .

343 - حسان بن ثابت [بن المنذر ] بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، أبو الوليد الأنصاري :

كان من فحول شعراء الجاهلية ، وكان يضرب روثة أنفه من طوله ويقول : ما يسرني به مقول من العرب ، والله لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه . وكان يفد على ملوك غسان ، ويمدحهم . أسلم قديما ولم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا ، كان يجبن . عاش ستين [سنة ] في الجاهلية وستين [سنة ] في الإسلام ، ووهب له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيرين أخت مارية ، فولدت له عبد الرحمن ، وكانت له بنت تقول الشعر ، وكان ربما قال بيتا فوقف ما بعده عليه فقالته ، فقال لها : لا قلت شعرا وأنت حية ، فقالت : لا بل أنا لا أقول الشعر وأنت حي .

وكان للمشركين من الشعراء الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أبو سفيان بن [ ص: 232 ] الحارث ، وعمرو بن العاص ، وابن الزبعرى ، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حسان ، وابن رواحة ، وكعب بن مالك . وكان حسان يذكر عيوب القوم وآثامهم ، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر ، وكان كعب يذكر الحرب ويقول : فعلنا بهم وفعلنا ، ويتهددهم ، فكان أشده عليهم قول حسان ، وأهونه قول ابن رواحة . فلما أسلموا كان أشده عليهم قول ابن رواحة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للأنصار : ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم وأنفسهم أن ينصروه بألسنتهم . فقال حسان : أنا لها ، قال : كيف تهجوهم وأنا منهم ، قال : إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين .

أخبرنا ابن الحصين ، قال : أخبرنا ابن المذهب ، قال : أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان منبرا في المسجد ينافح عنه بالشعر ، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله عز وجل ليؤيد حسان بروح القدس ينافح عن رسول الله " . وقال حسان في فتح مكة :


فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء     وإلا فاصبروا لجلاد يوم
يعين الله فيه من يشاء     وقال الله قد يسرت جندا
هم الأنصار عرضتها اللقاء     وجبريل أمين الله فينا
وروح القدس ليس به كفاء     ألا أبلغ أبا سفيان عني
فأنت مجوف نخب هواء



[ ص: 233 ] يعني أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فإنه كان يهاجي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم .

ولحسان :


هجوت محمدا فأجبت عنه     وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء     فشركما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالدتي وعرضي     لعرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه     وبحري ما تكدره الدلاء

أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : أخبرنا محمد بن هبة الطبري ، قال : أخبرنا ابن الفضل ، قال : أخبرنا ابن درستويه ، قال : أخبرنا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، عن أبيه ، قال :

عاش حسان بن ثابت مائة سنة وأربع سنين ، وعاش أبوه ثابت مائة سنة وأربع سنين ، وكان عبد الرحمن إذا حدثنا بهذا الحديث اشرأب لها وثنى رجليه على مثلها ، فمات وهو ابن ثمان وأربعين .

344 - الحكم بن عمرو الغفاري :

صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض ، ثم تحول إلى البصرة ، فولاه زياد بن أبي سفيان خراسان . وقد ذكرنا قصته في تلك الولاية آنفا . وتوفي بخراسان سنة خمسين .

345 - دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد :

أسلم قديما ولم يشهد بدرا ، وشهد ما بعدها ، وكان جبريل يأتي في صورته ، [ ص: 234 ] وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده ، وبعث معه كتابا إلى قيصر .

346 - صفية بنت حيي بن أخطب من سبط هارون بن عمران :

كان اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، وقيل : اشتراها من دحية بسبعة أرؤس فأسلمت وأعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها مهرها . ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر خضرة قريبا من عنقها ، فقال : ما هذا ؟ فقالت رأيت في المنام قمرا أقبل من يثرب فوقع في حجري ، فذكرت ذلك لزوجي كنانة ، فقال : أتحبين أن تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة ؟ فضرب وجهي . فلما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر وقد طهرت ، مال يريد أن يعرس بها ، فأبت ، فلما كان بالصهباء عرس بها هناك ، فقال : ما حملك على ما صنعت في المنزل الأول ؟ قالت : خشيت عليك قرب يهود ، فزادها ذلك عنده . [توفيت في هذه السنة ] ، ودفنت بالبقيع .

347 - عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ، يكنى أبا سعيد .

وكان اسمه عبد الكعبة ، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ، واستعمله عبد الله بن عامر على سجستان ، وغزا خراسان وفتح بها فتوحا ، ثم رجع إلى البصرة ، فأقام بها حتى مات .

أخبرنا القزاز ، [أخبرنا الخطيب ، أخبرنا الأزهري ، أخبرنا محمد بن العباس ، أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي ، حدثنا أبو ] موسى محمد بن المثنى ، قال :

مات عبد الرحمن بن سمرة سنة خمسين .

وقال خليفة بن خياط : سنة إحدى وخمسين .

[ ص: 235 ] - 348 عمرو [بن أمية ] بن خويلد ، أبو أمية الضمري :

شهد بدرا وأحدا مع المشركين ، وكان شجاعا ، ثم أسلم ، فأول مشهد شهده في الإسلام بئر معونة ، فأسرته بنو عامر يومئذ ، فقال له عامر بن الطفيل : إنه قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها ، فلما انصرف من بئر معونة لقي رجلين [من بني كلاب ] ، فقتلهما ، وقد كان لهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما القتيلان اللذان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [بسببهما ] إلى بني النضير يستعينهما في ديتهما . [وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري سرية إلى مكة إلى أبي سفيان بن حرب ، فعلم بمكانهما ، فطلبا ، فتواريا ، وظفر عمرو بن أمية في تواريه ذلك في الغار بناحية مكة بعبيد الله التيمي ، فقتله ] ، ومضى فأنزل خبيبا عن خشبته .

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة [بنت أبي سفيان بن حرب ] ، ويحمل بقية أصحابه إلى المدينة .

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزار ، قال : أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال : أخبرنا عمرو بن حيوية ، قال : أخبرنا ابن معروف ، قال : أخبرنا ابن الفهم ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا نوح بن يزيد ، قال : أخبرنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنيه ابن إسحاق ، عن عيسى بن معمر ، عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء ، عن أبيه ، قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة وذلك بعد الفتح ، فقال : التمس صاحبا ، قال : فجاءني عمرو بن أمية ، فقال : بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا ، قلت : أجل ، قال : فأنا لك صاحب ، قال : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : قد وجدت صاحبا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدت [ ص: 236 ] صاحبا فأذني ، فقال : من ؟ قلت : عمرو بن أمية ، فقال : إذا هبطت إلى بلاد قومه فاحذره ، فإنه قد قال القائل : أخوك البكري فلا تأمنه .

قال : فخرجنا حتى جئت الأبواء ، قال : إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي ، قال : قلت راشدا ، فلما ولى ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشددت على بعيري ثم خرجت أوضعه حتى إذا كنت بالأضافر إذا هو يعارضني في رهط . قال : فأوضعت فسبقته ، فلما رآني قد فته انصرفوا ، وجاءني فقال : كانت لي إلى قومي حاجة ، قلت : أجل . ومضينا حتى قدمنا مكة ، فدفعت المال إلى أبي سفيان
.

349 - عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه :

وأمه فاطمة بنت أسد ، وكان أسن ولد أبي طالب بعد طالب ، وكان بينه وبين طالب عشر سنين ، ثم بينه وبين جعفر عشر سنين ، ثم بين جعفر وبين علي عشر سنين ، وكان علي رضي الله عنه أصغرهم سنا وأقدمهم إسلاما .

وأخرج عقيل يوم بدر مع المشركين مكرها ، فشهدها وأسر ، ففداه العباس . ومات عقيل بعد ما عمي بصره [في خلافة معاوية ] .

350 - [عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان :

شهد بدرا وأحدا والخندق وذهب بصره ] .

351 - أم شريك ، واسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية :

وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم . واختلفوا هل قبلها أم لا ؟ على قولين ، أحدهما أنه قبلها ودخل عليها ، والثاني أنه لم يقبلها ، فلم تتزوج حتى ماتت .

أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي ، قالا : أخبرنا حمد بن أحمد ، قال : أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني ، قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن [ ص: 237 ] فرح ، قال : حدثنا أبو عمر المقري ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال :

وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة ، وكانت تحت أبي العكير الدوسي ، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة ، فأخذوها وقالوا : لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ولكنا سنردك إليهم . قالت : فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ، ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني ، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشمس واستظلوا منها وحبسوا عني الطعام والشراب فبينما هم قد نزلوا منزلا وأوثقوني في الشمس إذا أنا بأبرد شيء على صدري فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلا ثم نزع عني ثم عاد فتناولته ثم رفع ، ثم عاد فتناولته ثم رفع مرارا ثم نزل فشربت حتى رويت ثم أفضيت سائره على جسدي وثيابي ، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة ، فقالوا لي : انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه ، قلت : لا والله ولكنه كان من الأمر كذا وكذا ، قالوا : إن كنت صادقة لدينك خير من ديننا ، فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها ، فأسلموا عند ذلك وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم بغير مهر ، فقبلها ودخل عليها
.

352 - كعب بن مالك بن أبي كعب ، أبو عبد الرحمن :

شهد العقبة وأحدا وما بعدها سوى تبوك ، فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا عنها وأنزلت توبته ، وقد ذكرناها فيما تقدم ، وكان قد ذهب بصره .

وتوفي في هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين .

353 - المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك ، أبو عبد الله :

كان أصهب الشعر جعدا ، أقلص الشفتين ، ضخم الهامة ، أهتم ، عبل الذراعين ، بعيد ما بين المنكبين .

أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر ، قال : أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال : [ ص: 238 ] أخبرنا أبو عمر بن حيوية ، قال : أخبرنا أحمد بن معروف ، قال : أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني محمد بن سعيد الثقفي ، وعبد الرحمن بن عبد العزيز ، وعبد الملك بن عيسى ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ، ومحمد بن يعقوب بن عتبة ، عن أبيه ، وغيرهم ، قالوا : قال المغيرة بن شعبة :

كنا قوما من العرب متمسكين بديننا ، ونحن سدنة اللات ، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وأهدوا له هدايا ، فأجمعنا الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود فنهاني وقال : ليس معك من بني أبيك أحد ، فأبيت إلا الخروج معهم وليس معهم أحد من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية ، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر ، فركبت زورقا حتى حاذيت مجلسه ، فنظر إلي فأنكرني وأمر من يسألني من أنا وما أريد فسألني المأمور فأخبرته بأمرنا وقدومنا عليه ، فأمرنا أن ننزل في الكنيسة ، وأجرى علينا ضيافة ثم دعانا فدخلنا عليه ، فنظر إلى رأس بني مالك ، فأدناه إليه فأجلسه معه ثم سأله : أكل القوم من بني مالك ؟ قال : نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف فعرفه إياي ، فكنت أهون القوم عليه ، ووضعوا هداياهم بين يديه فسر بها وأمر بقبضها ، وأمر لهم بجوائز وفضل بعضهم على بعض وقصر بي وأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له ، وخرجنا وأقبلت بنو مالك يشترون لأهليهم وهم مسرورون ، ولم يعرض علي رجل منهم مواساة ، وخرجوا وحملوا معهم الخمر ، فكانوا يشربون وأشرب معهم . وتأبى نفسي أن ينصرفوا إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم [الملك ] ، ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي ، فأجمعت على قتلهم ، فلما كنا ببساق تمارضت وعصبت رأسي ، فقالوا لي : ما لك ؟ قلت : أصدع ، فوضعوا شرابهم ودعوني ، فقلت رأسي يصدع ، ولكني أجلس فأسقيكم ، فلم ينكروا شيئا ، فجعلت أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح ، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب ، فجعلت أصرف لهم وأترع الكأس فيشربون ولا يدرون ، فأهمدتهم الكأس حتى ناموا ما يعقلون ، فوثبت إليهم فقتلتهم [ ص: 239 ] جميعا وأخذت جميع ما كان معهم ، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجده جالسا في المسجد مع أصحابه ، وعلي ثياب سفري ، فسلمت بسلام الإسلام ، فنظر إلي أبو بكر بن أبي قحافة - وكان بي عارفا - فقال : ابن أخي عروة ، قلت : نعم ، جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحمد لله الذي هداك للإسلام " ، فقال أبو بكر : أمن مصر أقبلتم ؟ قلت : نعم ، قال : فما فعل المالكيون الذين كانوا معك ؟

قلت : كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم ، وجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها أو يرى فيها رأيه ، فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما إسلامك فنقبله ولا آخذ من أموالهم شيئا ولا أخمسه لأن هذا غدر ، والغدر لا خير فيه " . قال : فأخذني ما قرب وما بعد ، وقلت : يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة قال : فإن الإسلام يجب ما قبله .

قال : وكان قد قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا ، فبلغ ذلك ثقيفا فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية
.

قال المغيرة : وأقمت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة - وكانت أول سفرة خرجت معه فيها ، وكنت أكون مع أبي بكر الصديق وألزم النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يلزمه .

وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكلمه ، فأتاه فكلمه وجعل يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد . فقال لعروة وهو يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم : كف يدك قبل أن لا تصل إليك ، فقال عروة : من هذا يا محمد ، ما أفظه وأغلظه ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ، فقال عروة : يا غدر ما غسلت عني سوأتك بالأمس . وانصرف عروة إلى قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
.

وشهد المغيرة بعد ذلك المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحمل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما توفي رسول الله بعثه أبو بكر الصديق إلى أهل البحرين ، ثم شهد اليمامة ، [ ص: 240 ] ثم شهد فتوح الشام مع المسلمين ، ثم شهد اليرموك وأصيبت عينه يومئذ ، ثم شهد القادسية ، وكان رسول سعد إلى رستم ، وولي لعمر فتوحا وولي له البصرة نحوا من سنتين ، ففتح بيسان وغيرها ، وفتح سوق الأهواز ، وغزا نهر تيري ، وفتح همدان وشهد نهاوند . وكان عمر قد كتب : إن هلك النعمان فالأمير حذيفة ، وإن هلك حذيفة فالأمير المغيرة .

وكان المغيرة أول من وضع ديوان البصرة وجمع الناس ليعطوا عليه ، وولي الكوفة لعمر بن الخطاب ، فقتل عمر وهو عليها ، ثم وليها بعد ذلك لمعاوية ، فابتنى بها دارا ومات بها وهو وال عليها .

وبالإسناد حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة :

إن المغيرة أحصن مائة امرأة ما بين قرشية وثقفية .

وأخبرنا القزاز ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرنا الحسين بن أبي بكر ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، قال : سمعت إبراهيم الحربي يقول :

توفي المغيرة بن شعبة سنة خمسين وهو ابن سبعين سنة .

وتوفي سنة خمسين .

وقيل : سنة تسع وأربعين .

وكذلك قال خليفة بن خياط ، وأبو حسان الزنادي .

[ ص: 241 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية